تميزت بلادنا ولله الحمد بتاريخها وتراثها وقيمها، وميراثها الحضاري التليد. وزاد من تميزها موقعها الديني والإستراتيجي، باعتبارها أرض الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ومحط أنظارهم، وأرض الرسالة ومثوى رسول الإسلام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. إلى جانب موقعها الجيوسياسي في قلب العالم القديم عند ملتقى القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا.
ويضرب هذا الكيان الشامخ على الأرض في جذور راسخات تعود إلى ثلاثة قرون «يوم بدينا» ، عندما قام الإمام المؤسس محمد بن سعود في 22 فبراير عام 1727 بوضع حجر الأساس للدولة السعودية الأولى التي كانت أول كيان عربي شامخ حر مستقل ومستقر برايته الخضراء الخفاقة وعاصمته العتيدة الدرعية، وحيث امتد نفوذه إلى منطقة الخليج وأراض من العراق والشام، والذي أسس علاقاته الخارجية مع العديد من دول العالم شرقًا وغربًا وكان مقصدًا للرحالة والدبلوماسيين والمبعوثين من شتى بلدان العالم.
ولنا أن نفخر كسعوديين بأن عدد مدارس الدرعية- جوهرة المملكة العربية السعودية- كان أكبر من عدد مساجدها، فكانت بحق وحقيقة (دولة العلم والإيمان)، وأنها كانت موئلاً للعلم وقبلة للعلماء. ووصلت الدرعية إلى ذروة مجدها في عهد سعود الكبير ، وأمعن مؤرخ الدولة السعودية الأولى ابن بشر في وصف مظاهر ازدهارها ، فذكر أن قوة الدرعية تكمن في عظم مبانيها وقوة أهلها، وكثرة رجالها وأموالها، ولا يحيط العارف بمعرفتها، “فلو ذهبت أعد رجالها وإقبالهم وإدبارهم في كتائب الخيل والنجائب العمانيات وما يدخل على أهلها من أحمال الأموال من سائر الأجناس التي لهم مع المسافرين من أهلها، ومن أهل الأقطار لم يسعه كتاب ولرأيت العجب العجاب”.
ولقد صمدت الدرعية في مواجهة جيوش إبراهيم باشا، وأظهر أهلها شجاعة نادرة وقوة بأس لا مثيل لها، لكن لما طال الأمد عليها في الحرب ونفذت ذخيرتها وأقواتها سقطت في أيدي الغزاة الذين أمعنوا في تدميرها وخرابها.
وتوفر الدرعية من خلال تاريخها وتراثها وتقاليدها تجربة مشتركة للمواطنين يُمكنهم من خلالها بناء مستقبل الوطن، لتنفيذ مشاريع كبرى متنوعة ومتطورة، لتصبح رمزًا للوحدة الوطنية وقاعدة أساسية للقيم التي تسهم في تشكيل المستقبل السعودي الزاهر.
اليوم أصبحت الدرعية معلمًا بارزًا للوطن بعد أن أصبحت واجهة سياحية وثقافية للسعودية، وبعد أن اكتسبت شهرتها كعاصمة داخل العاصمة، وبعد أن أصبحت جسرًا يربط بين الماضي العريق للوطن بأمجاده وتراثه المجيد وبين الحاضر السعودي بكل ما يزخر به من منجزات ونجاحات ومفاخر في مختلف مناحي الحياة.
واليوم يحق لنا أن نفخر بأن أحد أحيائها التاريخية – حي الطريف- أصبح مسجلاً ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو منذ العام 2010م.
وقد استحوذت الدرعية باهتمام وعناية خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان، باعتبارها المنطلق في تأسيس هذا الكيان الشامخ، وكونها البداية الحقيقية للمسيرة السعودية المباركة، وحجر الأساس في تأسيس هذا الوطن الغالي، ويتجسد هذا الاهتمام بشكل خاص في مشروع بوابة الدرعية – بكل مرافقه ومكوناته- الذي يعتبر أحد أهم مخرجات ومنجزات رؤية المملكة 2030، وأحد أهم المشروعات الوطنية المنبثقة من الأهداف والتطلعات الطموحة لهذه الرؤية، لتُصبح “بوابة الدرعية” أكبر مشروع تراثي وثقافي في العالم، دشنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – في نوفمبر 2019م ، ويتابع مُنجزاته المتنامية سمو ولي العهد رئيس مجلس إدارة هيئة تطوير بوابة الدرعية، لتكون الدرعية التاريخية واحدة من أهم الوجهات السياحية والثقافية وأماكن الجذب في المنطقة والعالم.
اليوم ونحن نعيش ذكرى التأسيس الذي يعتبر مناسبة وطنية للاعتزاز بجذور هذا الوطن الضاربة في ترابه المبارك منذ ثلاثة قرون، وما حققته التجربة السعودية في أطوارها الثلاثة من الوحدة والأمن والاستقرار، وتواصل مسيرتها في البناء والتوحيد والتنمية والتميز، نتوجه إلى الله العلي القدير أن يبارك تلك المسيرة ويديم على وطننا الغالي نعمة الأمن والرخاء والاستقرار خلف قيادتنا الرشيدة.
0