وجدتُ في الشعرِ ترتيلاً لمن شَعَرا
وليس يُغني إذا عن موطني نثــــرا
في يوم تأسيسه أزهو به طربــــــاً
ألا يحق بهذا اليوم مفتـــــــــخرا!!!
إن لم يكن بهذا اليوم مادة تستحق الفخر، وتاريخ يستوجب التمجيد، ولحظة جديرة بالتخليد، فأي يوم اذاً؟
هناك، في ذلك اليوم البعيد، وقبل سنوات طوال تحرّر أول سطر في أعظم روايات التاريخ، وكل ما كانت الرواية زاخرة بالتضحيات، ملئى بالفداء، كانت أعظم وأعظم، ومن يتتبع رواية هذا المجد سيلبسها لباس العظمة بلا طلب، ويهديها وشاح الفخر بكل سبب.
حين انطلقت هذا القصة، كان في قانونها عدم الوقوف، وأهم تشريعات تلك الخطّة رفض الانكسار، ومناط الغاية عبارة لا تقبل النقاش، ولذلك أصبحت مفردات ذلك المساق والتي كانت في عقول أولئك القادة وذلك الجيل هي الآن نموذج سطّره الواقع، وبنته الحقيقة، ودبّجه الخلود.
النفوس العظيمة حين تحلم تحقق، وحين تحقق تدقق، وحين تدقق تراقب، وحين تراقب تقيّم، وحين تقيم تصحح، وحين تصحح تصل، وحين تصل تكون المعيارية ممكنة، والنمذجة أمر هين، وهذا ما وقع حقاً، فالحلم الذي كان يوماً حلماً هو الآن أنموذجاً، وليس هذا فحسب، بل أمنية للكثير، ومطمع للعالمين، ولو شئت أن تكون منصفاً ولو للحظة، فاسرد لي نماذج يمكن أن تزهو، ونظائر يمكن أن تطفو كهذا الوطن الذي يحتضننا بقدر ما نحتضنه.
ليس غروراً، ولكن فخراً، وليس تهوينا للغير، ولكن امتثالاً لغريزة حب الوطن، وطبيعة البشر في استحواذ ذلك العشق لتراب أرضهم ومستقر عيشهم، ومأوى أفئدتهم، فلست هنا إلا شارح لشعور يتملّكني ويتملّك غيري من أبناء هذه الأرض في حب وطنهم وقادتهم وأرضهم، ويتغنون به كلٌ على طريقته.
في يومنا الوطني نحتفل بالاكتمال، ونتهادى الانتصارات، ونكشف الكثير من تباشير تلك الغايات وبلوغ التمام، وفي يوم التأسيس نسترجع التاريخ لنستذكر لحظة هي لبنة البناء، وانطلاقة السنا، ولذا وجب ربط الحاضر بالغابر، والجديد بالقديم، وعطف ما بعد ذلك اليوم على ما قبله، ليبين لمن لا يعلم، ويستبين من يريد أن يعلم، وتتضح الصورة الكليّة لقيمة ما نحن فيه بذكر ما لم نكن فيه، وان تاريخ تلك البداية صنعت فارقاً شكّله الاجتماع بعد الفرقة، والأمن بعد الخوف، والعلم بعد الجهل والخرافة، والتعاون بعد التناحر، والوحدة بعد كم هائل من الحروب والدماء والظلم.
لا يستقيم الاعتداد بالحاضر مالم تعرف طبيعة الماضي، ولن يستديم مالم نشرح نقطة التحول التي صالت وجالت، لتخرجنا مما كنا فيه إلى ما نحن فيه، فنستشعر قيمتها، ونبارك قدرتها، ونتباهى بروعتها وحسنها.
في ذكرى التأسيس سأعيدكم إلى ما قبله، وبما أننا لم نعش وهذا من رحمة الله بنا إلا أني استدرّ لي ولكم خيالا استثنائياً، لنعود، فتعيشوا بعض ما كان على سبيل الخيال، واستعينوا للخيال ببعض ما سطره التاريخ عن تلك الحقبة، وكيف كانت حياة من عاشوها، ولن نجد فيها سوى جهل متزاحم، وظلم متراكم، وخرافة أطغى وأظلم، ومن خلال تلك الجملتين يمكن أن تصنع واقعاً أشبه ما يكون بالجحيم، وأقرب ما يكون من حياة غابة، لا قيمة فيها لأي قيم الإنسانية التي سير بها الله هذا الكون. فضلا عن الإنسان نفسه.
هذا هو يوم التأسيس لمن لا يعرفه وهذه هي نتيجته لم لا يدركه.