كان إقليم نجد في النصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادي مقسمًا -قبيل تأسيس الدولة السعودية الأولى- إلى العديد من الإمارات والكيانات السياسية المستقلة ولم يكن هناك رابطة سياسية تربط بينها، بل إن العلاقة بين تلك الإمارات كان يسودها الفتور والجفاء والمحاربة، وكانت الدرعية من أهم إمارات نجد وأقواها، وكانت على درجة قوية من الخصوبة ووفرة المياه، مما دفع بكثير من القبائل إلى الاستيطان بها والتحضر، والانتقال من البداوة إلى الحاضرة، ومن ثم هيأت الظروف الطبيعية للدرعية أن تكون مركزًا حضاريًا مهمًا استطاع بعد ذلك أن يلعب دور القيادة في المنطقة النجدية.
وفي عهد الإمام محمد بن سعود –مؤسس الدولة السعودية الأولى- أصبحت الدرعية منارةً للفكر الإصلاحي: الديني والسياسي والعسكري في نجد.
فعلى صعيد الفكر الديني: بدأت تخرج من الدرعية البعثات الدينية إلى أنحاء البلاد النجدية لتثقيف الناس الثقافة الدينية، وتبصيرهم بأهداف الدعوة الإصلاحية؛ ولتكون الوسيلة السلمية لنشر تلك الدعوة في ربوع نجد وغيرها.
وعلى الصعيد السياسي: نجد أن الفكر الإصلاحي السياسي الذي قام به الإمام محمد بن سعود، ومن جاء من بعده من أئمة الدولة، جعل من الدرعية مركزًا للزعامة السياسية. ولعل من أهم مظاهر الإصلاح والتغيير التي سادت في الدرعية، وانتشرت من بعدها في ربوع نجد وما جاورها من مناطق، تغيير الحكم القائم على الأسلوب القبلي تغييرًا كاملًا، إذ حل محله حكم نظامي مدني، دستوره الإسلام، وتم توحيد النظم الإدارية في المناطق التي انضوت تحت لواء الدرعية. كما حرص أئمة الدولة السعودية الأولى على اتباع نظام الشورى.
وعلى الصعيد الأمني والعسكري: انتشر الأمن ليس في الدرعية فحسب، ولكن في جميع ربوع نجد، حتى إن أهالي نجد كانوا يتركون ماشيتهم ترعى في المراعي خلال فصل الربيع بدون راع، وكانت تعود إليهم، وإذا ولدت كانت تعود بولدها. هذا عن الأمن الداخلي، أما عن الأمن الخارجي، والذي يتمثل في تأمين البلاد عسكريًا، فقد قام أئمة الدولة السعودية ببناء الحصون في بلاد نجد الكبيرة، وجعلوا فيها قوة عسكرية مرابطة تدافع عنها.
وهكذا سار الإصلاح الديني، والفكر الإصلاحي السياسي والعسكري اللذيْن قام بهما الإمام محمد بن سعود وخلفه من بعده، جنبًا إلى جنب حتى وصلت الدرعية إلى ما وصلت إليه من حيث كونها منارة للفكر الإصلاحي في عهد الدولة السعودية الأولى.