لقَّب التاريخ مارجريت تاتشر بالمرأة الحديدية لكن أحدًا لم ينصف اللقب بإسناده الى امرأة بدوية من الجزيرة العربية – تحديدًا من سكان تربة على مقربة من الطائف—حاربت المعتدين على أرضها قبل مائتي عام ببسالة وشجاعة يندر مثيلها إبّان الحرب السعودية العثمانية التركية، تلك المرأة لم تحارب بجيش ولم تخرج مع رجال، لكنها بذلت كل ما ورثته من ثروة طائلة وأموالًا كثيرة من أبيها وهو من أغنى أغنياء البقوم فدعمت بها جيش قبيلتها للدفاع عن ديار قومها. زوجها هو حمد بن عبد الله بن محمد بن محيي الموركي شيخ قبيلة الموركي من البقوم، وأمير منصّب من الدولة السعودية الأولى على “تربة” البقوم؛ على أن المرض أعياه فلم يتمكن من المضي في الحرب، لكن تلك المرأة الحديدية انتصرت فيها ببسالة كبيرة وإقدام منقطع النظير ولا سيما مع الأخذ بالاعتبار سياق تاريخ الجزيرة العربية آنذاك ومقاييس العالم اليوم؛ إنها الأميرة غالية البقمية ابنة الشيخ عبد الرحمن بن سلطان البدري، امرأة تفوقت بالذكاء والحكمة والدهاء.
المرأة الحديدية هي ابنة هذه الأرض المباركة، ومن آباء كرام تناسلوا في هذه البقعة المباركة من العالم، غالية البقمي سيدة من بادية تربة ما بين الحجاز ونجد، لُقبت بالأميرة بين قومها لتأمّرها عليهم في معارك ثلاث لكنها لقبت من قبل الأتراك بألقاب منها الساحرة البدوية والعرافة. فرّقت غالية جميع أموالها على فقراء العشائر الذين يرغبون في محاربة الأتراك الذين اعتقدوا أنها ساحرة! وأن لها قدرة على إخفاء رؤساء الوهابيين عن أعين المحاربين”. فقد ذكر المؤرخون أنه في شهر ذي الحجة 1228ه سافر طوسون من الطائف ومعه ألفان من المحاربين للغارة على تربة وأمر عساكره بالهجوم، وكان البدو متقدمين عليهم مستبشرين بوجود غالية بينهم متأمّرة عليهم فحاربتهم، وانهزم منها شرَّ هزيمة… “ثم رجعوا منهزمين ولم يظفروا بطائل”.
هذا التاريخ المشرف، لسيدة من نساء الجزيرة العربية حاربت دفاعًا عن قومها وأرضها ودعمًا للدولة السعودية حفظها الله، يسطر بماء الذهب وتاريخ يدرس في المراحل الدراسية ولا يكفي البقمية في السياق التعليمي في المملكة ما ضُّمن في منهج الصف السادس الابتدائي من مادة الدراسات الاجتماعية والمواطنة الفصل الدراسي الأول من عام 1441ه وإن كنت أرى أن نموذجًا مشرفًا مثل هذا يجب أي يفرد له صفحات من كتب التاريخ والدراسات الاجتماعية في التعليم العام والجامعي لتسليط الضوء على مثل هذا النماذج المشرفة.
تلك الإلماعة التي أشرنا إليها تقودنا إلى حقيقة لا تقبل الشك، أن لنساء الجزيرة العربية قوة وبسالة وحكمة ودهاء لا يمكن جحودها وما أشبه تاريخ غالية البقمية بغيرها من نساء عظيمات أخريات! فالتاريخ مليء بالقصص التي تحكي شجاعة وبسالة وفروسية نساء هذه الأرض؛ على أني لست بصدد التوثيق التاريخي الذي يقوم به المتخصصون أمثال أ.د. دلال الحربي التي عمدت إلى ذلك في كتابها العميق عن غالية البقمية وعن نساء خالدات من الجزيرة العربية ودراسة أخرى “صورة المرأة في رحلات الغربيين إلى وسط الجزيرة العربية”. لكنها إشارة مهمة في يوم هام هو يوم التأسيس العظيم لراية التوحيد التي استمرت ثلاثة قرون راسخة “من يوم بدينا”.
ثمة كنوز وقصص بطولية في التاريخ السعودي المعاصر يمكن من خلالها تعزيز دور المرأة التاريخي في صنع الأمجاد والتحولات المهمة في أرض الجزيرة العربية؛ هذا الدور المحوري والجوهري يعني أن في تاريخ المرأة السعودية ما هو جدير بأن يسطر بمداد من نور مما فعلته وقدمته نساء هذه الأرض الطيبة من شجاعة وبسالة وحكمة حيث لم يبخلن بمال ولا ولد وكن خير داعمات ومسهمات في تأسيس الدولة السعودية.
وتحظى المرأة السعودية اليوم بدعم سخي من حكومة المملكة العربية السعودية، ولقد تبوأت مراكز مهمة وأماكن مهيبة في ظل قيادة والدنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين الملهم الشاب الداعمين للمرأة في كل ميدان؛ وذلك صمام أمان ودافع للمزيد من الإبداع والتفوق النسوي السعودي.
– جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل