جوعٌ وخوف، مرضٌ وبؤس، حروبٌ وسرقات، تلك كانت عنوان الحياة في الجزيرة العربية وقبل ثلاثة قرون، حياةٌ كان عنوانها بمفهومنا الحالي بؤسًا وتعبًا، شقاءً وخوفًا، القوي مُسيطر والضعيف مِستضعف، قبائل متنافرة ومتطاحنة، كانت هذه البلاد دولًا متعددة في جزيرة واحدة، دولةٌ في الشرق تعادي دولة في الوسط، ودولةٌ في الجنوب ومن تُعادي من في الغرب ومن في الوسط يعادي من في الشمال وهكذا.
شركيات مُنتشرةٌ وبُعدٌ عن الدين الحنيف وعنصرية مبنية على مبدأ (أنا أعيش ومن بعدي الطوفان)، إلى أن قيض الله لهذه البلاد قبل ثلاثة قرون بدءًا من عام 1139 للهجرة الموافق لعام 1727 من الميلاد إمامًا كتب الله له الحظ الوفير من الدين الصحيح والعدل والقيادة بكامل صفاتها في زمنٍ كان يعج كما ذكرنا بالخوف والجوع والمرض وعدم الأمان والشركيات، إنه الإمام محمد بن سعود -رحمه الله-، ومن ذلك التاريخ بدأت نقطة انطلاق الدولة السعودية، فيما تم تسميتها الدولة السعودية الأولى التي بُنيت على الدعوة لله بالدين الحنيف وإيقاف كل ما يخالف الشريعة، وبدأت تتغير مفاهيم الحياة لكن وللظروف المحيطة؛ فقد مرت تلك الدولة بعدة مراحل متعددة، وأصبحت مطمعًا للأعداء وكتب الله نهايتها عام 1233هـ الموافق 1818م لحكمة هو أعلم بها منا، وكُتبت نهايتها بعد ما يقارب من 94 سنة، وعادت البلاد لما كانت عليه من مطاحنات وخوف وعدم أمان لكنها لم تغب طويلًا؛ حيث شهد العام 1240هـ الموافق 1824م مرحلة جديدة، وهي انطلاق الدولة السعودية الثانية بقيادة الإمام تركي بن عبدالله واستمرت في نشر تعاليم الدين الحنيف واستتباب الأمن لـ 69 سنة، ولكن كتب الله أن يكون آخر حكم لها هو عام 1309هـ الموافق 1891م؛ حيث عادت البلاد لما كانت عليه واستمرت الفجوة لأكثر من عشر سنوات، ولكن الله سبحانه وتعالى قيض الله لهذه الدولة العودة حيث شهد العام 1319 هـ الموافق 1902م، وعلى يد رجل جعل الله نُصب عينه وعزم على استعادة ملك آبائه وأجداده ونشر الإسلام الصحيح والعمل على توحيد هذه البلاد، إنه الإمام والملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الذي صدق الله وصدقَه الله، وبدأت الوحدة تتزايد في واحدة من معجزات هذا الزمن بجميع مكوناتها، وكانت الدولة الجديدة المملكة العربية السعودية ومعها ولله الحمد انتهى زمن الفتن والتحول إلى أكبر وأعمق وحدة وطنية وتحول الزمن إلى زمن الأمن والعلم والتطوير، ونشر الوطنية الصادقة بين أبناء وطن واحد رايته “لا إله إلا الله محمد رسول الله” ودستوره القرآن.
وكان مما يُلفت النظر حرص هذا المؤسس وجميع أبنائه من بعده على ربط هذه البلاد المباركة ومواطنيها بعناصر حياة أساسية، ومن أهمها الدين الصحيح وأن يكون القرآن الكريم والسُنة النبوية الشريفة هو دستور هذه البلاد الطاهرة، والحرص على نشر الأمن والتعليم والصحة، وتطوير مباهج الحياة والاستفادة من كل جديد في جميع المجالات إلى أن بلغنا مكانتنا الحالية، وفي مدة قصيرة جدًا بعُمر الزمن ففي أقل من 130 عامًا أصبحت واحدة من أقوى 20 دولة على مستوى العالم، علمًا واقتصادًا وحضارة وماضٍ عريق مع حاضر زاهٍ ومستقبل مِشرقٍ، طموحه عنان السماء يرسم مساره المستقبلي شاب مُتقد الحماس ذو نظرة عميقة، وجُهدٍ وفير وعمل دؤوب وسعة أفق لما يُحيط بواقعنا ومستقبلنا سمو ولي العهد محمد بن سلمان بن عبد العزيز العضيد الأول لمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي عُرف منذ ريعان شبابه بالحماس والحكمة والحزم والعمل الدؤوب، ويكفي ما شهدته الرياض في عهده -حفظه الله- وتشهده المملكة الآن.
نعم نحن دولة ذات جذور في التاريخ، وذات واقع متطور ملموس، وذات طموحٍ مُتقدٍ لا تحده حدود، ولا تقف أمامه صعوبات، فإلى الأمام يا بلد الأمان لقرون قادمة -بإذن الله-.