في البدء كانت الإرادة، وكان معها التأسيس.
تبدأ الحكاية بوصول الأمير مانع بن ربيعة المُرَيدي من قبيلة بني حنيفة من شرق الجزيرة العربية إلى وسطها لتأسيس مدينة الدرعية عام 1446م.
إنها البداية لتأسيس هذا الصرح الشامخ الذي توارثه الأبناء حتى عهد الحفيد الثامن الأمير محمد بن سعود، الذي أحال حُلُمَ توحيد الجزيرة العربية ولَمِّ شتات أهلها، إلى حقيقة مستمرة حتى اليوم، ولذلك استحق أن يكون إمامًا، وأن يكون ابتداءً حكمه في الثاني والعشرين من شهر فبراير عام 1727م ذكرى ليوم تأسيس هذا الوطن الغالي المملكة العربية السعودية.
ومنذ اختيار الثالث والعشرين من شهر سبتمبر من كل عام؛ ليكون يومًا تحتفي به المملكة العربية السعودية لاكتمال عقد توحيد أرجائها في القرن العشرين تحت لواء قائدها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود -طيب الله ثراه-، ونحن أفراد وجماعات نؤمن بأن ذلك قد جاء استكمالًا ليوم سابق له، أسس له الإمام محمد بن سعود بهمة عالية، وطموح كبير، وحمل في مضامينه معانِي سامية أكدت ما نحن عليه من تكاتف واندماج حقيقي، وهو أمر لم يكن ليتحقق لولا همة المؤسس الأول الإمام محمد بن سعود الذي عمل على تأسيس هذا المشروع الوطني منذ توليه إمارة الدرعية عام1727م، حيث حرص على أن يحافظ على استقلاله أولًا، واهتم بأن يكون مالكًا لإرادته بعدم تبعيته لأي من المنظومات السياسية القائمة في حينه، ثم دعوته لأبناء الجزيرة العربية للانضمام إليه لتكوين دولة عربية مستقلة على تراب هذه الأرض العريقة، وهو ما تحقق تباعًا على عهده وعهد من خلفه من أبنائه؛ وصولًا إلى هذا العهد الزاهر برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -يحفظه الله-، وقيادة ولي عهده رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-.
لقد حقق الإمام محمد بن سعود وخلفاؤه من بعده وصولًا إلى هذا العهد حالة الأمان التي هي أعظم من الأمن، فالأمن حالة مادية تقوم على جوانب ملموسة بحتة، وترتبط بمدى قوة الأجهزة الأمنية وثبات انتشارها، أما الأمان فهو حالة استشعار وجداني بالأمن، واطمئنان يسود بين الناس، دون اللجوء إلى مظاهر القوة مع أهمية وجودها، وصدق الله العظيم في قوله (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (قريش: 4).