هيا كدا
اطلعت علي ما غرد به الصديق د.سعود المصيبيح عن أخي الفنان الكبير محمد عبده، وعن استقلاله طائرة خاصة وأظهر صورة أبا عبد الرحمن وهو على سلم الطائرة، وزاد في التغريدة وقال: إن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء! وهذه حقيقة لا ينكرها إلا متكبر أو منحاز عن الطريق القويم. فالعز من الله والذل كذلك، والله يفعل ما يريد، وكم من أشخاص نراهم في العز يتمرغون ويعتقد البعض أنهم لا يستحقون. وأشخاص فقراء أيضًا نعتقد أنهم هم الأجدر بالثروة والمال، والله يختار من يشاء ومن ثم من طلب العلا سهر الليالي، ومن زرع غالبًا حصد. أنا أعرف الأخ د.سعود وقد جمعتنا الأيام. فترة لا بأس بها إبان عمله في وزارة الداخلية.. وأيضًا عندما كان يقدم برنامجًا حواريًا ناجحًا، وقد أجرى مع زملائي، ومعي أكثر من حلقة كان يشاركنا الحوار فيها ثلة من الإخوان من رجال الإعلام، وبعض رؤساء الإدارات الأخري، ونخبة من الجمهور، وكان محور الحديث الخدمات التي تقدم للمواطن، وبالذات ما ظهر به جهاز الجوازات في ذلك الحين من قفزات تنظيمية كبيرة، ومن هنا فإن معرفتي بالأخ سعود لا تجعلني أضعه في خانة من لا قدر الله يرون “الخشبة في يد اليتيم عجبة”. .فسعود إنسان راق. ولكن أفسر ذلك بالمعني العام. وليس أن ذلك غمزًا من قناة الصديق محمد عبده؛ فالحقيقة أن الفنان محمد لم يملك فجأة البيوت أو الاستديوهات أو تلك الإمكانيات المادية أيًا كان حجمها.. بل حفر في الصخر على مدى عشرات السنين. حتى أصبح بفضل الله ميسور الحال وهذا خير الله يؤتيه من يشاء. فمحمد قد عاش يتيمًا فقيرًا فترة من الزمان. وكانت ترعاه والدته، ويا دوب تتوفر لهم لقمة العيش التي تقيم الأود. ومن ثم برز في عالم الطرب، وخرج في ذلك الوقت جملة من الفنانين ولكن أكثرهم طواهم النسيان. واستمر محمد يعتلي درجات الإبداع والإتقان؛ فبالإضافة إلى الفارق في الإمكانات الفنية؛ فهناك أهداف لا ينصاها ولا يتقنها إلا من له فكر وطموح وإرادة، ومن ثم يطوع كل تلك المعطيات في خضم تلك الحياة العصية ليحقق النجاح تلو النجاح. لقد لمع وسطع نجم محمد عاليًا في سماء الفن مضيئًا من ذلك الحين، وحتى الآن. إنه يتعتق ويزداد بريقًا، وكل ما قال ناقد فني: إن عبده وصل إلى أقصى ما يمكن أن يبلغه مطرب من حيث الإمكانيات الصوتية وعبقرية الأداء؛ وخاصة مع رحلة السنين التي أسأل الله أن يمد في عمر أبي عبد الرحمن؛ فمع كل تلك الرحلة بل الرحلات يفاجئنا فناننا الكبير بالمزيد من التألق وعنفوان من جماليات الصوت والأداء، وكذلك عظمة القيمة الفنية في كل مشاركة له، وأعود لموضوع الطائرة التي علق عليها الكثيرون. بمختلف التغريدات وإن كان معظمها إيحابيًا، وأسأل كم شاهدنا الفنان محمد وهو يستقل طائرة خاصة. بالنسبة لي فإني أشاهده لأول مرة، ولو شاهدته عدة مرات أو يتنقل في سفرياته كلها بطائرة خاصة لما عجبت، ولما وجدت ذلك نمطًا من التباهي أو التبذير لا قدر الله.. فالفنانون في الغرب مع فارق الظروف والانتشار، وبالذات بسبب اللغة. يتحركون بطائرات خاصة وحرس ومديري أعمال وطاقم طبي بل مطعم متنقل معهم، وإذا قال قائل هناك فارق بين بيئتنا والمجتمع الغربي؛ وخاصة بالنسبة للظروف المجتمعية والحرية الواسعة التي يملكها الفنان؛ فتزداد شعبيته وإمكانياته فحاجته إلى تلك المظاهر ضرورية، وأن السلوك المجتمعي لدينا يتسم بحب التواضع. أرد وهل علمتم بظروف سفر الفنان محمد عبده بطائرة خاصة وإن كان ذلك من حقه. وهل كان وحيدًا أو ضمن نخبة، والذين يصطادون في الماء العكر، أقول قد يكون محمد استقل طائرة خاصة عدة مرات في حياته، ولكن لعلمهم هناك فنانون في محيطنا. فنيًا لا يقارنوا بمحمد إطلاقًا ولكنهم. لا يركبون فقط الطائرات الخاصة لكن يملكونها. ولا أرى في ذلك حرجًا أو غضاضة؛ فالعطاء من عند الله طالما كان ذلك لا يخالطه كبر أو استعلاء. زد على ذلك لاعب كرة سلة أو قدم يركب الطائرات الخاصة حتى أحيانًا لوحده دون بقية الفريق الذين ياعيني عليهم سكتم بكتم، وهم الذين يرفعون هذا اللاعب أو ذاك، ويعطونه كرة مقشرة، يمزمز عليها، ولما تخلص المباراة يرجع على الطائرة الخاصة، وأربع ينشفون وأربع يمسجون، وأربع يقولون يا باشا تعش، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى قد لا يعلم الكثير منا عن حياة بعض الفنانين، وعن عطاءاتهم المجتمعية، وأعمال الخير الطيبة التي يقومون بها، وربما لو ذكرت لفاقت أعمال الكثيرين ممن يدعون أنهم ولا أحد مثلهم في العمل الخيري، ويستكثرون على فنان أن يكون من أهل الخير واليسر والندي. لقد سئمنا من السلبيين الذي لا خيرهم ولا كفاية شرهم؛ فهم يلتقطون أي صورة عابرة ليهايطوا عليها لينالوا ممن كرهوا أو حسدوا. أحسنوا الظن فالفنان إنسان له مشاعره، ولا يعني أنه شخصية عامة أن يكون مجال النقد مشرع الأبواب، وبكل اللغات والأساليب، وحتى لو كانت مؤذية للمشاعر وتجافي المصداقية، وأخيرًا أعتقد أن من غنّى لوطنه أكثر من مئة أغنية وطنية، أجزم أن الكثير منها إهداءات لوطنه لم يستلم مقابلها درهمًا أو دينارًا. هذا عدا الأوبريتات التي شارك فيها. إن هذا الإنسان ومثله ممن أفاض الله عليهم بكرمه وفضله؛ فمن أبسط حقوقهم أن يستقلوا طائرة خاصة متى ما أرادوا ذلك.. اللهم لا حسد..