التغيرات الدولية والقضايا والتحديات العالمية التي تواجهها دول العالم لا يمكن حلها من قبل أي دولة بمفردها، وإنما تتطلب تعاونًا دوليًا مشتركًا تلعب فيه الصين دورًا محوريًا باعتبارها القوة الاقتصادية العملاقة، وأكثر دول العالم اكتظاظًا بالسكان؛ لذا فإنه من المحزن والخطير أن يظهر إجماع متزايد في واشنطن ينظر إلى العلاقات الأمريكية الصينية على أنها صراع اقتصادي وعسكري، ذلك أن انتشار هذا الرأي سيخلق بيئة سياسية يصعب فيها بشكل متزايد تحقيق التعاون الذي يحتاج إليه العالم بشدة لحل أزماته. لكن مع الأسف، فإن العلاقات الأمريكية – الصينية ازدادت توترًا في عهد إدارة الرئيس بايدن. وفي الواقع، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية أصبحت المنافسة الاستراتيجية بين الدول، وليس الإرهاب، الشغل الشاغل لأمريكا.
وفي الواقع مرت العلاقات الأمريكية – الصينية خلال الربع قرن الأخير بموجات من المد والجزر، حتى إن الإدارات الأمريكية الأربعة الأخيرة ولت وجهها شطر الصين، على حساب التوترات الحاصلة في الشرق الأوسط، وظلت الصين تحتل الأولوية في سلم اهتمامات الإدارات الأمريكية المتعاقبة؛ خاصة بعد عودة هونج كونج للصين سلميًا عام 1997، وعدم التزام الصين بوعودها التي قطعتها على نفسها أمام البريطانيين لجهة الالتزام بمبدأ «وطن واحد ونظامان سياسيان»، أي عدم المس بوضعية هونغ كونغ الخاصة، وما يتمتع به سكانها على مدى 120 سنة من أوضاع متميزة، ومع بداية الألفية الثالثة طرأ تطور هام في العلاقات الأمريكية – الصينية عندما دعمت المؤسسات الاقتصادية والسياسية الأمريكية بقوة منح الصين وضع “علاقات تجارية طبيعية دائمة”، وبالتالي تمكين الشركات الأمريكية من إمكانية الوصول إلى السوق الصيني المتنامي، ومع مجيء بايدن إلى الحكم استمر التوتر في العلاقات بين البلدين، من خلال سياسة الاحتواء تجاه ما تعتبره واشنطن منافسها الرئيس، وازداد التوتر في العلاقات بين البلدين بعد تصاعد التهديدات الصينية ضد تايوان التي تعتبرها الصين جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. ومؤخرًا ازدادت العلاقات الأمريكية – الصينية توترًا على إثر إسقاط المنطاد الصيني الذي تم تدميره بعد دخوله الأجواء الأمريكية، والذي اعتبرته واشنطن منطاد تجسس، وفي ذروة الصراع الأمريكي – الصيني لا يمكن تجاهل التحالف الصيني – الروسي، ولا يمكن أن ننسى بهذا الصدد استضافة الرئيس الصيني في الرابع من فبراير 2022 لنظيره الروسي فلاديمير بوتين في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في بكين، حيث أصدر الجانبان بيانًا مشتركًا.
بعد المباحثات أعلنا فيه أن الشراكة الثنائية بين الصين وروسيا أكبر من تحالف تقليدي، وأن صداقتهما لن تعرف حدودًا، وبعد عشرين يومًا قامت روسيا بغزو أوكرانيا. هذه الحقيقة تفرض السؤال: وهل تلعب الصين دورًا فعالًا في الحرب الروسية – الأوكرانية، وما أبعاد هذا الدور إذا كان موجودًا بالفعل، بيلاروسيا تلعب بالفعل دور الحليف المساند لروسيا في تلك الحرب، لكن ثمة تساؤل حول ماهية الدور الصيني؟… يبدأ هذا الدور – في رأي المراقبين – من خلال لزوم بكين الصمت إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا، وينتهي بالدعم السلاحي الصيني للروس وفق مزاعم رئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). ويعتقد الخبراء أن الصين لم تطلب دعمًا سلاحيًا من الصين، وأنها ستحصل على هذا الدعم بمجرد أن تطلبه من بكين، وتبدو خريطة التحالفات في الحرب الروسية الأوكرانية، وما ترتب عليها من نتائج: روسيا والصين وإيران والهند (حليف أمريكا السابق) وبيلاروسيا وكوريا الشمالية من جهة، في مقابل أوكرانيا والولايات المتحدة والناتو واليابان وكوريا الجنوبية من الجهة الأخرى، ويرى العديد من المراقبين أن الرهان اليورو- أمريكي على هزيمة الروس في أوكرانيا من شأنه أن يُشكل انتصارًا على الصين بدون حرب، وهو ما يفسر هذا الدعم السلاحي والمادي السخي الذي تقدمه واشنطن والغرب عمومًا لأوكرانيا.