قال صاحبي: يتردد في مؤسسات الإعلام ومدارسه مقولة “الخبر حُر.. والرأي مسؤول”، ولكن ما تمارسه وسائل الإعلام وخصوصًا في هذه السنوات المتأخرة وعلى اختلاف أيديولوجياتها، يعبر عن رغبة في السيطرة على الرأي العام وتوجيهه، من خلال مطابخ إعلامية متخصصة، لها سدنتها وكهانها، الذين يقدمون أطباق الأخبار المتنوعة بحسب رغبة المالك، والمموَّل، وهو يعنى أن الخبر أسير من يقوم بتمويله وإعداده وتجهيزه للانطلاق لمائدة المتلقي الفكرية!، فهل هناك مسؤولية قانونية وأخلاقية على وسائل الإعلام عندما تقوم بتبييض الأخبار؟
وهنا تقفز إلى الذهن مجموعة من التساؤلات المشروعة، ومنها؛ ما الدور الخفي الذي تمارسه المؤسسات الإعلامية في صناعة الأخبار وقبيل نشرها ووصولها للمتلقي؟ ولماذا تلجأ هذه الوسائل لعملية تبييض الأخبار؟ وما المصادر التي تعتمد علیھا الوسيلة الإعلامية في إنتاج الخبر؟ وكيف ستصبح هذه العملية بعد أن دخل الروبوت إلى غرف صناعة الأخبار؟
عملية غسل الأخبار قديمة، وجدت مع وجود الاتصال بين البشر، استخدمتها الحضارات القديمة، لكنها كانت بدائية في طرائقها، وفي سهولة انكشافها، بعكس عمليات غسل الأخبار في زماننا التي وظُفت فيها مختلف العلوم والخبرات، والتكنولوجيا، من أجل السيطرة على الدول والعقول، فقد أثبتت التجارب في زماننا أن صناعة الأخبار لا تقل أهمية عن صناعة السلاح، إن لم تتفوق عليها، خصوصًا بعد ولوج الذكاء الاصطناعي لإعداد الأخبار، ومعالجتها، ثم إرسالها للمستهلك النهائي.
فالخبر في شكله الحديث، لم يوفر للمتلقي الإشباع الذي يبحث عنه، بقدر تحقيقه مصالح المرسل، التي يسعى لتحقيقها ممن يوجه إليه بضاعته، فلم تعد تعريفات الخبر في قاعات الدراسة هي التعريف المثالي والمناسب والمتوافق مع ما تتم ممارسته في صالات التحرير، وتحمله ناقلات الأخبار الخمس الكبرى، التي تهيمن على هذه الصناعة وتحتكرها، رغم تحذيرات الدراسات وتقارير الأمم المتحدة، ومنها تقرير لجنة ماكبرايد، من هيمنة تلك الوكالات الكبرى وخطورة الفجوة الإعلامية التي تزيد الهوة بين الشمال والجنوب، وماله من تأثيرات سلبية في المجالات كافة.
بعدها يأتي دور الوسيلة الإعلامية؛ التي تمارس تشريح الأخبار وفرزها، و(تبهيرها) وتأطيرها وفق السياسة التحريرية التي تنتهجها الوسيلة الإعلامية، بناء على توجهات مالكها، أو ممولها، أو القائم بالاتصال فيها، حيث يتعرض الخبر لعملية تتصل بمضمونه، وشكله، والصور الساكنة، أو المتحركة التي سترافق الخبر في طريقه إلى المستهلك النهائي، ومن النادر نشر الخبر ومرفقاته كما أتى من المصدر، وفي هذه المرحلة تمارس الكثير من الوسائل الإعلامية خطأً مهنيًا مقصودًا بخلط الرأي بالخبر، وهذا هو السائد.
ولم تتوقف صناعة الأخبار عند هذا الحد، بل تجاوزتها، وأصبحت بعض الأخبار على وجه التحديد، مقصودة بعينها، إما لنشر شائعة، أو شيطنة بلد ما، أو اغتيال معنوي لشخصية عامة، أو نشر فضيحة سياسية أو مالية، أو أخلاقية أو غيرها من الأهداف المنشودة، يتم غسلها، بتمريرها عبر عدة قنوات إعلامية، ومصادر لم تكشف عن هويتها، حتى تصل من المنبع إعلام الظل، إلى المصب الذي يستقي منه الجميع، وهو القناة الإعلامية ذات الصيت والانتشار، والتي تنشر الخبر منسوبًا لمصدره-الوهمي- من باب ناقل الكفر ليس بكافر.
عربيًا؛ ولأن أغلب الناس مولعة بالغرب، وبالإيمان بما يصدر منه، لجأت بعض وسائل الإعلام العربية، لتأسيس مواقع أجنبية، مجهولة الهوية، تقوم بالخطوة الأولى، وهي تمرير الخبر، أو الكاريكاتير، أو الصور ساكنة، كانت أو متحركة، ثم تقوم وسائل الإعلام العربية بالنقل عنها، وعقد حلقات النقاش، وبرامج الحوار حولها، حتى يعتقد المتلقي بمصداقيتها، دون أية تبعية قانونية أو أخلاقية على الوسيلة الناقلة، خصوصًا عندما تكون محترفة، وتستطيع تقديم الخبر بطريقة ذكية، ومهنية تعفيها من تبعاتها.
قلت لصاحبي:
يجب أن تعامل عمليات غسل الأخبار كما تعامل عمليات غسل الأموال.