المقالات

النظام (بدو) نظام

هيا كدا

يتحدثون عن أمريكا وأوروبا وسنغافورة وماليزيا، وكيف أن هناك النظام يسود وكل مواطن يحترم حقوق الآخر، وكيف أن المرور منظم. قد يكون هناك زحام ولكن كل سائق لا يحيد قيد أنملة أو أنملتين بالكثير عن آداب السير. ويبالغون ويقولون: الهدوء في الشارع يا سلام لدرجة لو ترمي الإبرة تسمع طنتها. “طبعًا ما في طن ولا طنين، ولكن للهياط رجال لا تهمهم في قولة مشي حالك نومة نائم”. وأيضًا يقولون: إن الشوارع نظيفة، لو وقعت عليها نقطة عسل ممكن تلعقها، وأنت قرير العين واللسان طبعاً، إخرطي وكلام عليه أكثر من غبار.
كما أن البائع لا يمكن أن يغشك بل تستطيع أن تغشه بكل بساطة، بحكم أنه يتوقع أن كل الناس يحترمون النظام وحرمة أخلاق السلوك القويم مثله. ولكن بحكم أنك “واد معرفت وما في زيك” فتعتبر أنه من الفروسية والفهلوة الضحك علي الذقون وما بقول الشوارب بحكم إن معظمهم “ملط”.
ويضيفون من يستعرضون أخلاق العالم المتحضر ولا ينفذونها، بأن حرية الفرد مكفولة طالما لم تؤذ غيره. وطبعاً في كثير من دول العالم الثاني شطارتك وحذاقتك تبان إذا قدرت تلعب بالبيضة والحجر أو علي الحبلين “أنت وفهلوتك “، وعساها ما حركت، المهم أنت ومن خلفك الطوفان.
وكما قلت هناك فئات كثيرة ومتنوعة من المجتمع شطار في الحديث عن تلك الدول وتلتزم بكل تعاليمهم حال كانوا في دارهم. بل تجد الأب أو الأم يبلغون أولادهم بعدم خرق النظام والالتزام به بحذافيره “حذفورة حذفورة”، والويل لهم لو حذفورة واحدة تفرعنوا وطنشوها، ثم يختمون توصياتهم بعبارة “انتبهوا تري (هنا ما في لعب مو زي عندنا) وعندما ما تطب أول قدم سواء اليمني أو اليسرى ما تفرق في أرض أي مطار محلي”.
تبدأ الفوضي بكل تفاصيلها ما خف منها وزنه وما ثقل، تضرب أطنابها وبكل أريحية. إن تعاليم الإسلام كلها تنص علي مكارم الأخلاق التي هي الأرضية الخصبة التي يترعرع علي أديمها أدبيات السلوك الحسن القويم ومقتضياته. ولكن لا يمكن أن تظل مجرد ثقافة عامة قد يعلمها الكثير من أفراد المجتمع ولكن تبقي اجتهادية وحسب المزاج .
كما أن الثقافة الجزئية أو الوقتية لا يمكن أن تعطي نتائج كافية. وأيضا الثقافة الفردية إن لم تنفذها كل الأسر أو أكثرها علي الأقل فلن تمنح نتائج فعالة ومجزية. وذلك ينسحب كذلك علي المؤسسات سواء كانت خاصة أو عامة.
إن لم يتطور المجتمع بكل السلوكيات بدون استثناء، فلن يتطور أي عمل يقوم به. فلا إنجاز بدون نظام وإن تم شيء فسيكون وقتيا أو أعرجا. ولا شك أنه سيصير كسيحاً فيما بعد إذا استمر علي منوال” يا رجال محدن شايفك” ، أو تري ما عندك أحد. أو يا عمي يعني ما يمشي النظام إلا علي. لذا لابد أن تكون هناك خطة لتسريع ثقافة السلوك والانضباط والحرص علي النظام والحريّة العامة .
الدول المتقدمة التي تضرب بها الأمثال لم تولد منضبطة تراعي مكارم الأخلاق. بل لقد عانت من الفوضي حتي وجدت الإرادة. أمة بدون نظام لا يمكن أن تنجح أو تتقدم. فأوجدت في تلك الدول الأنظمة المشددة، آخذة في الاعتبار أنه ما يفل الحديد إلا الحديد.
وفي السنوات الماضية بدأت ملامح العناية بتنظيم السلوكيات العامة. وهذه بشائر خير. ولا شك أن هناك القادم من التشريعات التي تصب في نفس تلك الأهداف. ووجهة نظري أنه يصار إلى إنشاء مجموعة عمل صياغة مشروع وطني لتنظيم السلوك العام في جوانبه كافة. ولا تترك شاردة ولا واردة إلا أدركها ونظمها. علي أن يصدر هذا النظام. ومن ثم تفعل حملة توعية عامة لا تقل عن ثلاثة أشهر. للتعريف به ومزاياه وكيف انه ذا فائدة للمجتمع.
وقد يتطلب ذلك مراجع علمية وإحصائيات حتي يكون التنفيذ عن قناعة واهتمام . وخلال هذه التوعية لا توقع عقوبات. ومن ثم يتلو بعد ذلك ولمدة شهر أو أكثر “حسب الحاجة” فتسجل عقوبات مع وقف التنفيذ وتكلل برسالة تحذير علي وسائل تواصل المخطئين، ومن ثم ينفذ نظام العقوبات بحزم .
لقد جربنا هذا ضمن حملات التوعية في إدارات الجوازات والأمن العام حسب الإمكانيات والظروف المتاحة في ذلك الوقت، ومن ضمنها حملة توعية ربط الحزام بعنوان (اعقلها وتوكل) وأعطت نتائج مبهرة. فالهدف من أي نظام ليس توقيع العقوبات إنما توقيع العقوبات هو لتنفيذ النظام كملاذ لابد منه بعد التوعية الكافية. ولدي إضافة قد تساعد بجانب الخطط الطويلة الأجل وذلك بينما يصدر النظام وهو تحديد أسبوع لمتابعة حفظ النظام. وتشترك كل الجهات المسؤولة فيه رسمية ومدنية، وليكن شعاره “معاً نطبق النظام”.
كما يشارك معهم متطوعون من الشباب وكافة أطياف المجتمع المدني، ولابد من أن تكون تلك الحملة قوية بأسلوب عصري وجاذب لتوضيح الغرض ومناشدة الالتزام بمكوناته، نحتاج إلي طفرة لفرض جمال السلوك وروح الانضباط، وسنرى كيف تتغير أشياء كثيرة في حياتنا إلى الأفضل، فالنظام من أهم أركان الحياة وكذلك تفعيل الخطط ونجاحها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى