في البدء نُبارك لشاعرنا المجيد الصديق النبيل الأستاذ/ حسن بن محمد الزهراني التكريم الذي ناله باستحقاق في إمارة الشارقة، ومن شخصية مرموقة وهو الشيخ سلطان القاسمي.
شكرًا لمخططي هذه المبادرة الألمعية من ربان هذه المنارة الثقافية الفنية الأستاذ القدير علي البيضاني وللعاملين معه من الزملاء الأكارم.
فمسيرة الشاعر الإبداعية مليئة بالجمال والرصانة والبهاء والإبداع، أستطيع القول بأن حسن خُلق ليكون شاعرًا مفعمًا بالإنسانية متجليًا بالإبداع، وحين نتحدث عن الجانب الإنساني في حياة وشعر حسن؛ فإن المقام لا يتسع لذلك لذا سأكتفي بشذرات…
إنسانية الشاعر نحو أسرته
إنسانية الشاعر نحو أصدقائه
إنسانية حسن نحو وطنه
إنسانيته نحو زملائه في العمل
إنسانيته نحو الطبيعة “ورود- أزهار- طيور- سحاب”
وحين أتحدث في هذه الجوانب ربما سنوات العمل التي أمضيناها في أدبي الباحة قرابة خمس سنوات فضلًا عن مصاحبته في السفر داخل وخارج الوطن كل تلك تشفع لي؛ لأن أقدم ملمحًا موجزًا في هذا المساء العابق بالود الندي بأرواحكم الشفيفة، ويمكن استشفاف إنسانية الشاعر من عناوين دواوينه الشعرية، ويأتي ديوان ريشة من جناح الذل كأحد أهم العناوين التى تتجلى فيه الإنسانية وهو ديوان خطه الشاعر لوالدته -يرحمها الله- وهناك تناص مع الآية الكريمة (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (الإسراء: 24)
والديوان بمجمله احتوى على كثير من القصائد التي جعلت وزارة التعليم تختار نصًا شعريًا عن الأم؛ لتضعه في مادة النصوص للطلاب المرحلة المتوسط على مستوى وطننا الغالي، ومن قرأ هذا النص الشعري الجميل يدرك المستوى الشعري الرفيع في الجانب الفني؛ فضلًا عن الجانب الإنساني المترع بالأحاسيس الصادقة والمشاعر الفياضة مما يمكن القول بأنه عبّر عن مشاعرنا جميعًا.
أماهُ يا شمعة بالحبِ تأتلقُ
لكي تضئَ حياتي وهي تحترقُ
أماه يابسمةً تحيي رفاتَ دمي
إذا استبدت به الأحزانُ والحرقُ
ومثلما شكَّلت الأم الرؤوم لدى شاعرنا تلك الأحاسيس الصادقة؛ فإن لوالده -رحمه الله- ذات المشاعر والحاجات النفسية، فقصيدته الرثائية في والده الشيخ محمد بن حسن الزهراني التي بلغ عدد أبياتها واحدًا وسبعين بيتًا يحمل كل بيت معاني ودلالات ثرية وفلسفة عميقة عن الحياة وزيفها، وتبين مدى العلاقة الروحية بين الابن والأب والحب المتجذر في الشرايين، وكذلك لواعج الحزن ولهيب الفراق، والقصيدة في مجملها تفصح عن شاعرية فذة وموهبة وتجليات سامية، وما تسكبه ريشة قلمي ليست قراءة نقدية بمفاهيمها وأسسها العلمية، إنما قراءة انطباعية لبعض الصور والأخيلة الشعرية والمعاني البلاغية والألفاظ الجزيلة التي يتفرد بها الشاعر، وقد شد أهداب عيني أحد أبياتها يقول:
أمسيت بعدك نصف قلبي جمرة
والنصف ثلج والعروق هباء
أي جمال يسوقنا الشاعر لرؤية هذه الصورة الشعرية النادرة والجديدة.. إذ أمسى الشاعر بعد رحيل والده بقلب مشطور نصفين أحدهما جمرة متقدة والآخر قطعة ثلج. مادتان متناقضتان (جمر وثلج)، وهي قوة تعبيرية عن شدة الحزن والأسى. لو قال الشاعر: إن قلبه تحوَّل إلى جمرة لقلنا سبقه الآخرون من الشعراء .. إلا أنه يجمع بين أعتى وأشد حرارة نعرفها، وهي الجمرة المحترقة وبين نقيضه الثلج البارد جدًا .. فيثير التساؤل كيف ولماذا يمتزجان في قلب الشاعر؟ وكيف يؤول صاحبه لمن يحمل قلبًا نصفه ثلج والآخر جمرًا .. إن لحظة الفراق هي التي تفجر قرائح الشعراء وأعنفه فراق الموت الذي يغيّب الأحباء والأصدقاء والأعزاء .. ولو تذكرنا رثاء الخنساء أخاها صخر .. لأدركنا ما يسببه الموت من لواعج الحزن.. وقصيدة الخنساء واحدة من عيون الشعر العربي التي توقف عند أبياتها النقاد إعجابًا بملكتها الشعرية والتشبيهات التي وردت بها. وما قاله ابن الرومي الذي عاش في القرن الثالث الهجري حين فقد واسطة العقد من أبنائه .. لتتحرق من معانيها القلوب وتبتل العيون. فالقصائد الرثائية في نظر النقاد هي الأبلغ والأصدق والأجمل؛ لأن العاطفة الصادقة هي القادح لموهبة الشاعر.. المفجر لإبداعاته ..عندها يسكب فيض أحاسيسه.. وصادق مشاعره في جدول قصيدته لتتحول إلى نهر جمالي يجري في ذاكرة الناس على مدى الأيام والسنين. وأعود لشاعر السحاب شاعر الإنسانية الشاعر المتألق “حسن الزهراني” الذي أصدر الكثير من الدواوين الشعرية منها: قبلة في جبين القبلة، تماثل، صدى الأشجان, أوصاب السحاب، ريشة من جناح الذل, قطاف الشغاف. فيض المشاعر
لما تحويه دواوينه الشعرية من فلسفة عميقة ورؤى واعية وتجارب حياتية ثرة وصور بلاغية بديعة أهلته؛ لأن يأخذ مقعدًا في الصف الأول من بين شعراء الوطن العربي.
أما إنسانيته نحو وطنه؛ فديوان “قبلة في جبين الوطن” كان الوثيقة النبيلة والحب الحقيقي للوطن، أما إنسانيته نحو أصدقائه فتلك أعرفها عن قُرب وألمسها، وكنا قرأنا نصًا فاضت بها قريحته كأجمل قصيدة أهداها للدكتور معجب الزهراني، ولم أنسَ أيضًا قصيدته التي أهداها لأخيكم جمعان؛ ولكوني أعرف حسن الإنسان عن قُرب في أدبي الباحة فتعامله مثاليًا مع زملاء العمل من أعضاء مجلس الإدارة والعاملين، ويحظى بتقدير واحترام من قادة العمل في وزارة الثقافة وأستطيع القول بأن النجاح الذي تحقق لأدبي الباحة بتنظيم مهرجانات الشعر وملتقيات القصة والمسرح وغيرها جاء نتيجة النبل الذي يتمتع به والإنسانية العظيمة التي يتحلى بها.
أما مع الموجودات الطبيعية التي حوله؛ فيمكن استشفاف هذا الحس الموغل في الجمال من خلال تلك اللقطات الشعرية في وصف زهرة مورقة أو وردة تفوح شذًا أو نحلة تصنع رحيقها أو سحابة بيضاء عابرة أو هتان غسل أوراق الشجر.
“حسن” يحمل حسًا شفيفًا أبيض لجميع من يعرفه أو من لا يعرفه .. هادئ الطباع بليغ الكلام، طيب القلب غزير الثقافة حسن الخلق، ويُعد مدرسة متميزة في الإلقاء الشعري، وتلك ميزة تحتاج إلى ورقة أو دراسة مستفيضة.
واختصارًا للقول من أراد أن يتغلغل في وجدان الشاعر ويبحر في قلائده الذهبية ويتعمق في اكتشاف الصور البلاغية الجميلة، فليقرأ “حسن” من خلال دواوينه الشعرية، متَّع الله شاعرنا بالصحة وأدام عليه السعادة، والأنقى والأجمل أن يجير النجاح الذي حققه وذيوع قصائده لزوجته التي وقفت معه وساندته وكذا أسرته الصغيرة.
شكرًا..شكرًا لجمعية الثقافة والفنون بالباحة..شكرًا لربان هذه المنارة الثقافية والفنية. المتألقة والتي تعودنا منها كل الجمال.. شكرًا على هذا العمل الأدبي الراقي الاحتفاء بشاعر الوطن والإنسانية والجمال، والذي يعطي دلالة على التناغم والتقارب والرؤية المشتركة بأن الثقافة بمثابة الأكسجين التي تعطي للحياة جمالها وألقها وحيويتها.