كليات التربية التي انضمت للجامعات، كان إنشاؤها ضروريًا في مرحلة ما، وحققت أهدافها بكفاءة عالية، وارتقى مستوى المعلم السعودي إلى درجة الاحترافية، وتحقق الاحتفاء الذاتي بنسبة عالية، ولظروف معينة رأى المخططون إيقاف القبول في هذه الكليات وفق منهج الإعداد التكاملي للمعلم، وبالتالي بدأت تتردد الأصوات بضرورة دراسة جدوى بقاء هذه الكليات وطرحت أفكار متنوعة ما بين الإلغاء الكامل، والدمج مع كليات أخرى، أو الزج بها في برامج سُميت مجازًا (الاستثمار الأمثل للكوادر التعليمية)، ومن وجهة نظر متواضعة أرى أن وجود هذه الكليات في الجامعات بأقسامها وتخصصاتها الحالية ضرورة للجامعات نفسها قبل أن تكون كذلك للمجتمع، وبالإمكان تحويل تلك الأقسام إلى مراكز بحث وتدريب وتطوير، بل لو لم تكن موجودة لأوجدتها الجامعات بحكم الضرورة والاحتياج.
فأقسام الإدارة والتخطيط التربوي هي الأقدر على بناء ومتابعة الخطط الاستراتيجية، وتخطيط البرامج التي تناسب سوق العمل، وهي المناطة بتحقيق الجودة واستمراريتها في الجامعات، كما أنها الأقدر على اقتراح المداخل والأساليب القيادية الحديثة، وهي كذلك مخولة بتأهيل وتدريب القيادات من أعلى إلى قاعدة الهرم التعليمي، والحديث يكاد لا ينتهي.
أما أقسام المناهج وطرق التدريس فكما نعلم أن المنهج ليس مجرد مقرر تضمه دفتا كتاب، بل هو منظومة من الممارسات التي تتحقق من خلالها الأهداف التربوية، والتي يجب أن تستوفي شروطها التي لا يملك إلا المتخصصون صلاحية الحكم على مناسبة مقرر ما من عدمها.
ويسري القول على قسم التربية وعلم النفس ودوره الكبير في تشخيص واقع الميدان التربوي وضمان اتساقه مع منظومة القيم الوطنية والمجتمعية، ودراسة السلوك والضبط المدرسي والجامعي وهلم جرا.
بل إني أرى أن توجه الجامعات إلى التعليم الإلكتروني هو مسؤولية أولى لأقسام تقنيات التعليم التي تضمها كليات التربية، وما وحدات وعمادات تقنية المعلومات إلا وحدات تنظيمية مساندة.
كما أن بقية الأقسام لا تقل عما سبق الحديث عنه في الأسطر السابقة، وما أرى أنه جدير بالاهتمام هو وضع الأمور في نصابها، واستثمار نقاط قوة لا يُستهان بها، قد يؤدي عدم استغلالها إلى تقادمها واضمحلالها شيئًا فشيئًا، وسنجد أنفسنا نُعيد اختراع كليات التربية بمسميات مختلفة، ولكنها لن تخرج عن القيام بما يمكن أن تقوم به كليات التربية وأساتذتها المتخصصين.