لنا أن نستبشر بنجاح الوساطة الصينية في تطوير علاقات حُسن الجوار بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتوصل إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، وذلك تتويجًا لجهود الحكومتين العراقية والعُمانية في استضافتهما جولات الحوار التي جرت بين الجانبين السعودي والإيراني خلال عامي 2021 و2022.
وليس غريبًا على المملكة أن تسير في طريق السلام الذي ارتضته لنفسها منذ قيام المملكة العربية السعودية عام 1932، باعتبارها دولة محبة للسلام، ودولة تكرس جهودها لتحقيق التضامن الإسلامي، وجمع كلمة المسلمين ودعم قضايا الأمة، والتصدي بكل ما تملك من جهود لمحاولات الجهات المغرضة زرع الفتن والحروب، وتشتيت الجهود، وزعزعة الأمن والاستقرار.
وما عديد المبادرات السلمية التي أطلقتها واحتضنتها المملكة في السنوات الأخيرة الماضية، مثل المبادرة العربية للسلام عام 2002، والمبادرة السعودية للسلام في اليمن التي صدرت قبل عامين، والمبادرات السعودية العديدة التي طرحتها السعودية لإنهاء الخلافات مع إيران، كل هذه المبادرات تقدم الدليل على هذا النهج القويم في ثوابت السياسة الخارجية السعودية.
ولنا أن نتفاءل خيرًا بهذه البادرة الجديدة التي تأتي ونحن على أبواب شهر رمضان الكريم الذي يجمع المسلمين بكل أشكالهم وأجناسهم ومشاربهم وطوائفهم على قلب رجل واحد، ويتفق فيه المسلمون في كافة أرجاء المعمورة على عبادة الله وطاعته وإقامة هذا الركن من أركان الإسلام.
وأخيرًا لنا أن نتفاءل بهذه الخطوة المهمة في رأب الصدع بين البلدين المسلمين الشقيقين بعد سنوات طالت كثيرًا في النزاع والفرقة والمشاحنة، وحرب الوكالة التي لم يكن لها أي مبرر أو داع.
ولا بد من التنويه هنا إلى أن السعودية وإيران قطبان إسلاميان هامان، يحتلان مكانة ودورًا مهمًا في المنطقة، ولا شك أن بناء جسور الثقة والتعاون بينهما سيؤدي إلى تعزيز الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، وهو ما أكده وزير الخارجية الإيراني في بيان نقله المتحدث باسم الوزارة أن “إيران والسعودية بلدان مهمان في المنطقة والعالم الإسلامي”، مبيناً أن “بإمكانهما بدء فصل جديد من التعاون والعمل المشترك لإحلال السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة عبر اتباع مواقف بناءة ومناهج مستندة إلى الحوار”.
لا شك أن جنوح إيران إلى السلم لم يأتِ من فراغ، فقد أيقنت الجمهورية الإسلامية وأدركت جيدًا أن المكانة والدور السعودي تنامى بشكل كبير علي الصعيدين الإقليمي والدولي، وأن الكلمة والقرار السعودي أصبحا مسموعين على المستوى العالمي، وبعد أن أصبح الاقتصاد السعودي في مقدمة الاقتصاديات العالمية العملاقة. كما أدركت إيران أن حرب الحوثي على المملكة لم تؤثر بكثير أو قليل على أمن واستقرار المملكة، فكل من يقطن المملكة – سعوديون وغير سعوديين- لا يشعرون أن هناك حربًا تشنها هذه الشرذمة على السعودية.
فتح صفحة جديدة في العلاقات بين المملكة وإيران رسالة إلى إسرائيل بأن السعودية ليست ولن تكون أداة لخدمة أي مصالح لأطراف دولية أخرى، وأنها تسعى بالدرجة الأولى والأخيرة لتحقيق مصالحها العليا، وتجنيب المنطقة شرور الحروب، وتحقيق السلام والأمن والرخاء لشعبها ولشعوب المنطقة؛ لذا يمكن اعتبار هذه الخطوة ضربة معلم للدبلوماسية السعودية. لكن المطلوب من إيران في المقابل أن تقيم علاقات طيبة مع السعودية التي تعتبرها الرياض دولة جارة وشقيقة إسلامية نريد لها الازدهار والنماء، لكن هناك “إشكاليات” بيننا وبين إيران – كما ذكر سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان- تعمل السعودية مع شركائها على حلها مثل تصرفات إيران السلبية التي تقوم بها سواء عبر برنامجها النووي أو دعمها للمليشيات الخارجة عن القانون في بعض دول المنطقة أو برنامجها للصواريخ الباليستية. المأمل من إيران أن تغير هذا النهج وتكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجية الأخرى، وأن توقف دعمها لميليشيات الحوثي وحزب الله.