الثقافيةحوارات خاصة

القاص كرم الصباغ: الكتابة سبيل الخلاص ولون من ألوان المقاومة

طوال ليالي شهر رمضان المبارك، تستضيف صحيفة مكة الإلكترونية، نخبة من كتّاب الرأي وأهل الأدب، لتسليط الضوء على رحلتهم مع القلم، والاستفادة من تجاربهم، يسعدنا أن يكون ضيفنا لهذا اليوم القاص كرم الصباغ.

حوار – محمد بربر

  • بدأت رحلتي مع الكتابة حينما كنت في الصف الأول الثانوي، وكشأن كثير من الفتيان بدأت أكتب الشعر، لكن سرعان ما تحولت إلى كتابة القصة بعد عامين بالتحديد حينما كنت في الصف الثالث الثانوي.

– أصدقك القول وجدتني دونما ترتيب أو إعداد مسبق أمسك القلم وأخط أولى محاولاتي في هذه السن المبكرة ربما نتيجة تأثري بما كنت أعكف عليه من القراءات فقد كنت صديقا لمكتبة المدرسة وباعة الكتب القديمة في مدينتي الصغيرة.

أعتقد أنني كنت محظوظا بوجود مدرس الفلسفة في مدرستي الثانوية أ. أحمد البدراوي رحمه الله، كان مثقفا من طراز رفيع وكان يعاملني كصديق وهو من شجعني على المضي قدما في الكتابة.

– أول قصة نشرتها كانت في العام ١٩٩٦ حينما كنت طالبا في الفرقة الثانية بكلية التربية وكانت بعنوان “طقوس الوقت” نشرت في جريدة الأهرام المسائي.

–  تتمحور كتاباتي حول الإنسان وهمومه والغوص في أعماقه. هي كتابة تنطلق من بيئتها الصحراوية بما تحمله من سمات خاصة ولكنها سرعان  تتجاوز حدودها الزمانية والمكانية لتشتبك مع قضايا أكثر رحابة وأشد عمقا.

– نعم الكتابة بالنسبة لي تشبه الخلوة الصوفية تبدأ بدخولي غرفتي الخاصة، فأنا ميال بطبعي إلى العزلة وعادة ما تزعجني الأصوات المرتفعة أدخل غرفتي الخاصة، وأنعزل تماما عن أفراد أسرتي الصغيرة. ثمة زوجة عظيمة تعودت على تلك العادات وتعي مدى حاجتي لتلك العزلة لهذا تجهد أن توفر لي تلك الأوقات بمنأى عن صخب الأولاد، أراها تستحق الثناء على كل ما قدمته لي على مدار السنوات الفائتة يكفي أنها تتحمل دون تبرم أو شكوى. أنا محظوظ بها حقا. أعود لطقوس الكتابة أنا أكتب في مكان محدد وتعودت منذ فترة أن أكتب على جهاز التابلت الخاص بي مباشرة فهذا أيسر في الحذف والإضافة والتعديل من الكتابة على الورق.

-الكتابة روح متمردة تستوطن أعماق الكاتب هي طاقة لا متناهية تأبى السكون وتحاول خلق عالمها  الخاص بمفردات أشد خصوصية الكتابة هي نسائم  الحرية التي تتسلل إلى رئتي الكاتب فتجعل الحياة محتملة وبدون هذا الشغف والعشق لن يتحمل كائن من كان مشقة الكتابة المضنية التي عادة ما تستنزف أعمارنا بينما نحن قانعون  بما تمدنا به من متعة تشبه الدخان سرعان ما تتحول إلى معاناة، كلما شرعنا في عمل جديد. هكذا نتلذذ بما تصدره الشمعة  المحترقة من نور دون أن ندري أننا الشمعة ذاتها.

– سؤال شائك ولأنني أكره الشعارات البراقة سوف أكون صادقا، المال عصب الحياة حيث تقع تحت مسئولية الكاتب أسرة لا ذنب لها إطلاقا في أن عائلها رجل به مس من جنون يسمى الكتابة ولكي أوازن بين الأمرين قسمت يومي بين شطرين فالنهار لعملي الذي أتقوت منه أنا وأولادي  النهار لذلك العمل و لأسرتي وأولادي والليل للكتابة والقراءة والمطالعة في خلوتي التي أشرت إليها في مطلع الحديث. هذا لأن الكتابة في بلداننا العربية لا تقيم الأود ولا تسد الجوع، أعتقد أن ذلك أمدتي بمساحة من الحرية في أن أكتب ما أشاء فلست مضطرا أن أقدم أي نوع من التنازلات في انتظار أن أحصل على مقابل مادي من أحد فالاستقلال المادي يمنح الكاتب الفرصة لأن يغوص في أعماق ذاته وذوات الآخرين وأن يشتبك مع هموم مجتمعه ليرصد انعكاس ما تخلفه مشكلاته وأزماته من ظلال وآثار على ذوات أفراده فأنا أومن أن الكاتب ينبغي أن يزاوج ما بين نظرتي الفن من أجل الفن ونظرية الوظيفة الاجتماعية للأدب كما أشار أرنست فيشر خاصة في مجتمعاتنا العربية المتخمة بالمشكلات.

– نعم هي مرهقة بل هي مضنية ولولا الشغف بها ولولا أنها سبيل الخلاص بالنسبة للكاتب ما تحمل كاتب عناء الكتابة التي تستنزف جهده ووقته.

– إن كنت تقصد أن تكون الكتابة مؤطرة بأطر أيديولوجيا محددة مثلما حدث مع سيل الكتابات الموجهة التي أفرزتها حقبة الاشتراكية فأنا لا أوافق على ذلك لأن الأيديولوجيا نقيض للإبداع إذ تضع على الإبداع قيودا مسبقة تتنافى مع روحه الجامحة ولكنني في الوقت ذاته أرى أننا لا نملك في ذات الوقت رفاهية ان يكون الفن لدينا من أجل الفن فقط أو أن ننساق وراء موضات مستوردة من مجتمعات تتمتع بأعلى درجات الرفاهية الحل إذن من وجهة نظري أن تتمحور الكتابة حول الإنسان ذاته على اعتبار أنه العنصر الباقي مع عدم إغفال الجانب الجمالي في الفن عامة والكتابة خاصة وسواء رصدت الكتابة آثار الواقع أو جنحت بعد ذلك  إلى الفانتازيا أو السريالية أو الواقعية السحرية فهي ما دامت تتمحور حول الإنسان ولا تغفل وظيفتها الجمالية  فإنها تكون قد نجحت في  حل تلك الإشكالية.

– الموضوع أيسر من ذلك بكثير أحب أن أسميه صدق الكاتب مع نفسه من خلال بحثه الدءوب عن تشكيل عالمه الخاص ومحاولة وضع بصمة خاصة تميزه عن غيره وتضيف إلى المنجز الإبداعي كما وكيفا لا محاولة استعارة أنماط سائدة أو السطو جهرا أو سرا على تجارب الآخرين عالميا وعربيا وأولا وأخيرا أن تعبر تلك الكتابة عن هوية كاتبها وان تقدم طرحها الخاص لا طرح غيرها هذا هو الصدق والأمانة من وجهة نظري مع التأكيد أن الناقد الذاتي داخل الكاتب هو من له الحق في التدخل في النص أما فيما عدا ذلك فذلك تقييد لحرية الإبداع وينبغي أن يكون ذلك الناقد الذاتي الكامن داخلنا من الحصافة بمكان.

– أعتقد أن القراءات التراكمية هي أكثر تأثيرا في وعي الكاتب كما أعتقد أن عصارتها تتسرب إلى اللاوعي بشكل خفي ولكنها تظهر على المدى البعيد ولكن من خلال جنين  جديد قد اصطبغ بصبغة كاتبه وحمل جيناته  الخاصة فهي عملية أخذ وعطاء لا تتوقف أترى لو امتزجت مياه عدة  أنهار ببعضها البعض ثم قدر لها أن تشق طريقها فمن المؤكد أنها تخلق نهرا جديدا لا يشبه الأنهار الأخرى ولا تتوقف عملية التأثير والتأثر بين كتاب الجنس الأدبي الواحد فكل إضافة معرفية يضيفها الكاتب إلى نفسه تسهم بشكل أو بآخر في تجديد مياه هذا النهر الجديد الخاص بالكاتب  سواء أكان المقروء سردا أو شعرا أو نقدا أو فلسفة او تاريخا أو… بل أكاد أزعم أن الكاتب نفسه يمر في حياته بمراحل مختلفة فما كان عليه هذا الكاتب منذ عشرة أعوام يمثل شخصا يختلف تمام الاختلاف عن هذا الشخص الذي يحيا الآن فالقراءة تضيف إلى حياة الكاتب حيوات جديدة كما يقول العقاد.

– حرية الراي أن يعبر الكاتب عن كل ما يؤمن به وعن كل ما يراه صوابا من وجهة نظره وليس من حق أحد أن يفرض قيدا من الخارج  على ذلك الحق شريطة أن يوقظ الكاتب داخله الناقد الذاتي الذي يجب أن يتحلى بقدر من الحصافة والذكاء والشعور بالمسئولية في الآن ذاته. وإلا لكانت فوضى هدامة وليست حرية مسئولة.

– كما أشرت في معرض حديثي الكتابة بالنسبة للكاتب هي الملاذ وهي لون من ألوان المقاومة للقبح بغرس بذور الجمال في تربة يراها الناس مجدبة ولكن الكاتب وحده يرى فيها الخصب والبكارة الكتابة هي حرية الكاتب سبيل وجوده وهي عالمه البديل الذي يلتجئ إليه كلما نفاه هذا العالم الغليظ الكتابة هي الأوراد والخلوة والكاتب هو القطب وزيت القنديل والمريد.

– أبرز محطات قلمي أخرجت مجموعتي القصصية الأولى رمال وجع الغائب سنة ٢٠٠٣.

ثم غبت لسنوات طويلة عدت بعدها بمحموعة يمام الوجد، ثم مجموعة وشم النار التي فازت بجائزة مانديلا للآداب النسخة العربية الأولى فزت بالمركز الثاني ببنما حصلت الكاتبة السورية ميرفت أحمد علي   على المركز الاول في حين حصل الكاتب المصري إسماعيل فتح الباب على المركز الثالث .  بعد ذلك فزت في سنة ٢٠٢١ بجائزة نادي القصة في أسيوط المركز الأول عن قصة شجرة ثم أخرجت سنة ٢٠٢٢ مجموعتي القصصية الرابعة بخفة عصفور وحزن يمامة وسعدت بمناقشتها في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي أقيم في شهر يناير الماضي وقريبا جدا بمشيئة الله ستصدر مجموعتي القصصية الخامسة ممرات بيضاء لغزالة وحيدة. وروايتي الأولى دار بسيس .

– المكتبة العربية والعالمية زاخرة بكتاب عظماء أقرأ للجميع على حد سواء وأحتفي بهم بداية من يحيي حفي ويوسف إدريس ويحيي الطاهر عبد الله وسعيد الكفراوي ومالك حداد وزكريا تامر وغسان كنفاني وبهاء طاهر وإبراهيم أصلان وأحمد الخميسي وسيد الوكيل وسمير الفيل وغيرهم أما عالميا ف انطوان تشيخوف وديستويفسكي و. موباسان وادجارد الآن بوو أرنست همنجواي وماركيز  و ميسان وأليس مونروو القائمة تطول.

كلمة لكل كاتب شاب: اقرأ  أولا وثانيا وعاشرا . اقرأ يا صديقي للجميع ثم اكتب محاولاتك الأولى، ولا تتنكر لها هي جزء أصيل من روحك يحمل بكارتك، ولكن عليك أن تعرضها على من لهم باع ودراية، ضع ملاحظاتهم نصب عينيك، ثم واصل الكتابة من حديد. من  الجيد أن تكتب عما تعرفه؛  فما تعرفه أنت ربما لا يعرفه غيرك؛ روحك كامنة في بيئتك الخاصة. الكتابة مهرة حرون لا تسلم قيادها ولا تبوح بأسرارها إلا لمن يجيد الربت على ظهرها ولا تخضع ناصيتها إلا لمن  يتعهدها بالرعاية والعناية.  أخلص لها قدر ما استطعت، و لا تتعجل إخراج نصك، ولا تتعجل النشر؛

فالنص الجيد سيجد طريقه إلى الآخرين لا محالة.  كل ما يجب عليك فعله أن تعتني بنصك فقط، و وأن تراجعه ولا أحسبك تغفل أدواتك اعتني بلغتك تعلم قواعد النحو والصرف والإملاء دعك ممن يترخصون في اللغة ومن يوهمونك أن التجرؤ عليها بالأغلاط والأخطاء فضيلة وحرية إنما يسترون عجزهم فقط لغتك جزء أصيل من روحك إن هانت ستهون الكتابة عليك برمتها في يوم ما أطلق لخيالك العنان جرب لا تخش طرق عوالم جديدة فالجدة والأصالة هما جناحا الإبداع إياك وتضخم الذات والنرجسية المقيتة فالنص الأفضل لم يكتب بعد كلنا يحاول كلنا يخطئ كلنا يتعلم من الآخر . ادفع عن روحك وعن عينيك الغشاوة اقترب من الناس خالطهم أصغ لأوجاعهم كن لسان من لا لسان له حتما  ستنجح في خلق عالمك الخاص في يوم ما.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الأستاذ كرم الصباغ نجم مختفى فى سماء الكتابة
    قرأت له العديد من القصص القصيرة التى تأخذ العقل والوجدان
    تأخر كثيراً فى نشر أعماله لكن طالما النفس تنبض بالحياة فلدينا المزيد من الوقت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى