المقالات

جريمة السؤال

“إن كان هناك ما تجنيه وليس هناك ما تفقده فأسال مهما كلف الأمر”

وقال الأصدق المعصوم عليه الصلاة والسلام (إنما شفاء العييّ السؤال).

في نظري حتى وإن تشابهت خلفية الأثر، فمتى قامت شرعية السؤال فقد بات واجباً وصار لازماً، وأول تلك الشرعية المعرفة المجردة، أليس أكثر الأطفال وعياً هم أكثرهم سؤالاً؟

السؤال في فلسفته إمعان في التحقق، وتحقق من استظهار ما يمكن استظهاره، ولا تعارض مع (لا تسألوا عن) قد ربط ذم السؤال بالعاقبة، وليس في أصل السؤال، ولذلك قال في عاقبة ذلك النهي (إن تبد لكم تسوؤكم)فبات النهي مقروناً بما ينتهي إليه.

من حق عقلك أن تعطيه ما يطلب، ومن واجبك أنت أن تمنحه ما يستحق، وأول ما يستحق فك تلك الرموز التي أشكلت عليه أو إجابة لذلك السؤال الذي أعياه.

بعض الأسئلة من إكرامها أن تتخطاها، وليس هذا من باب القدح فيها، بل من باب القدح في تلك الأرضية التي ستطرح فيها، وقد رأيت خلال دراستي بعض تلك الأسئلة التي كانت سبباً في رسوب أصحابها، وهم من هم في مقامات الطلب الجاد ومدارج التعلم الملهم، ولم يكتفي أولئك الحمقى من عدم الجواب، بل تحّروا البغي قدر الإمكان، وأمعنوا في الظلم، وتغيرت المعاملة واختلف الميزان مع ذات الشخص، بسبب سؤال استدرّه عقله المبدع، وجهلته عقولهم المشؤومة، وقد كان يسعهم أن يعلنوا بــ (لا أعلم – الله أعلم)، وليست عيباً، فقد قالها من هو أعلم، وعلى أقل تقدير قد كان يمكنهم إحالة السؤال للبحث، أو يوصى لمن يمكنه أن يجيب، دون أن يتهم أحداً في دينه، أو يراجعه في مذهبه، وأياً مما سبق هو أهون من(أسكت وأخرج من القاعة).

هذا نوع من الأسئلة وهو كثير، والأكثر منه ما يعقبه من شبهات تخرج الحكيم عن حلمه، ومع ذلك فليس هذا ما أقصد مع أنى آثرت المرور به.

ما أعنى هي تلك الأسئلة التي بينها وبين إجابتها هو أن تسال، ولكن يمنعك الجهل بعاقبة الجهل كالذين (قتلوه قتلهم الله) أو كِبرٌ في النفس فجّرته نفس موهومة، أو خجل صب عليك من لغوائه، ونثر عليك من شره.

الجهل إثم يغفره فتح الباب أمام عقلك للسؤال، ويجبّه التكرار حتى تصل لإجابة ترضيك، أو تأخذك إلى أفق يطرح الكثير من تلك الأسئلة، ويوغل بك في ذلك التيه الذي تحمد عقباه على أي حال.

تلك الأسئلة تأخذ صفة القداسة، حين أخذتك بكل حب من ذلك الوحل لتقف بك على أرض صلبة، يملأها الوعي بما أنت فيه، والمعرفة بما حولك، وعليه فأي فضل لذلك السؤال وأي قيمة لتلك الاستفهامات!!؟

معارج الفهم تبدأ بالسؤال، والخروج من سجن الفكرة يمكّنه سؤال كذلك، وتنشيط العقل وفق ما خُلق له ينطلق من سؤال أيضاً، واستثمارك المربح لتلك المواهب المزروعة فيك يملكه سؤال قابع خلف جدار الصمت.

ختاما.. كل غِلٍ صنعه إشكال قد يحرره سؤال.

رياض بن عبدالله الحريري

كاتب وصانع محتوى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى