المقالات

الأمة في خطر

الأمة في خطر.. إنه في اعتقادي من أصحِّ العناوين التي تُعبر عن إشكالية تدنّي مستوى المخرجات التعليمية لدينا.
ذلك أننا حين نناقش هذه القضية ندور في دائرة مغلقة! فالجامعات تلوم المدارس على ضعف مستوياتِ خريجيها، والمدارس تلوم الجامعات لأن المدرسين هم من خريجيها!
وعلى الرغم من أنَّ التعليم العام والعالي يتحمَّلُ قدرًا غير قليل من المسؤولية، إلا أنَّ ثمتَ قدرًا من المسؤولية تقعُ على المجتمعِ نفسه.
لنسلِّمْ إذنْ بالدور المركزيّ للتعليم العام والعالي في هذه القضية، بل وبالدور المركزي للمنظومة الحكومية في مجملها.
لكن .. لنتحدث أيضًا عن دور المجتمع.
مجتمعنا العزيز يحمل قدرًا كبيرًا من التقدير والإكبار للطبيب والمهندس، وقدرًا كبيرًا من اللامبالاة بالمعلم!
عندما يتخرج الأبناء بامتياز؛ فإن الوالدين والأقارب والأصدقاء ينتظرون منهم أن يكونوا أطباء أو مهندسين، ولو فكر واحدٌ منهم أن يدخل كلية التربية، أو كليةً نظريةً تنتهي به إلى التدريس؛ فإنّه سيواجهُ صدودًا عنيفة، أو على الأقل تعجبًا واستغرابًا.. وربما اتهامًا بقصر النظر!
والنتيجة الطبيعية لهذا الضغط المجتمعي أن يتوجَّه النوابغُ والأذكياء والأكْفاء إلى الكليات الطبية والهندسية وما إليها، وتبقى كليات التربية والكليات النظرية التي تخرج المعلمين موئلًا للضعفةِ والكسالى.
والنتيجة النهائية .. ضعفُ مخرجات التعليم العام الذي يقوم عليه أساتذةٌ لم يسقهم إليه إلا ضعف مستوياتهم !
حين شعرتْ أمريكا بالخطر عام 1981 بسبب هزيمة طلابها في المسابقات الدولية أمام اليابانيين والكوريين شكلتْ لجانًا عُليا لدراسة واقع التعليم، وفي عام 1983 صدر التقرير الشهير: (أمة في خطر) الذي شخَّص واقع التعليم الأمريكي بشفافية، ومن بين عبارات التقرير المهمة: “لا ينجذب نحو مهنة التدريس العدد الكافي من الطلاب القادرين أكاديميًا، وأن عددًا كبيرًا ممن اجتذبتهم مهنة التدريس هم من الربع الأدنى أكاديميًا من خريجي المدارس الثانوية والجامعات”.
وبناءً على ذلك ارتفعتْ معايير القبول في الكليات التربوية التي تخرِّجُ المعلمين؛ بحيث أصبح القبول في هذه الكليات عسرًا، ولا يقدر عليه إلا ذوو العقول والمواهب، واستطاع ذلك أن يرجع للتعليم الأمريكي بعض وهجه.
في ألمانيا ردت المستشارة الألمانية السابقة (أنجيلا ميركل) على القضاة والأطباء الذين طالبوا بمساواة رواتبهم مع رواتب المعلمين بإطلاق جملتها المشهورة: “كيف أساويكم بمن علموكم”!؟ واعتبرت تلك الجملة في نظر الكثيرين يومها درسًا في الأخلاق تمكنت من خلالها المستشارة الألمانية أن تعيد للمعلم هيبته ومكانته.
في الضفة الأخرى من العالم .. تأتي دولةٌ أخرى استطاعت خلال سنواتٍ قليلة أن تلحق بالعالم الأول، إنها (سنغافورة)، وقد صرح باني نهضتها : (لي كوان) بأنَّ تعزيز النظام التعليمي كان هو البوابة الكبرى لهذه النهضة السنغافورية المذهلة.

من أبرز سماتِ التعليم السنغافوري هو الشروط القاسية للالتحاق بكليات التربية وإعداد المعلمين، والشروط الأقسى لإكمال الدراسات العُليا التربوية، حيث يلزمك لذلك أن تمتلك عشرين سنةً من الخبرة، وأن تقدِّم نماذج مشرِّفة من طلابك، وأن تحصل على توصياتٍ علمية معتبرة، وأن تكون صاحب سيرة ذاتية مميزة.
فهل نجدُ في واقعنا التعليمي شيئًا من هذا؟

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كلام جميل ولكن من الذي يعلق الجرس ؟نهضة الأمم بالعلم والتعليم وتخلفها بتخلف التعليم فتحديد الهدف بداية الحل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى