(مكة) – حوار- عبدالرحمن الأحمدي
تمر أيام شهر رمضان الكريم، وتتواصل “مكة” الإلكترونية في لقاءاتها مع رموز الفكر والإعلام داخل المملكة، حيث يحين الموعد اليوم مع الكاتب والصحفي أحمد صالح حلبي، الذي يحدثنا عن تجربته الحياتية ومسيرته الإعلامية، عبر الحوار التالي:
**لمن يسأل عنكم ضيفنا الكريم أين تتواجدون في رحاب هذه الدنيا؟ وكيف تقضون أوقاتكم؟
-يكفيني في هذه الدنيا أن هناك من يسأل عني، وحينما يسأل سيجدني أتنفس الهواء، وأشرب الماء، وأرفع يداي للسماء حامداً ربي وشاكرا لفضله، حتى وإن تقلب الحال يوماً وغابت الابتسامة، فالشكر لله واجب، وإن كانت الدنيا متقلبة بين فرح يحمل بسمة، وحزن تكسوه دمعة، فعلينا تقبلها، وجل وقتي أقضيه بين أرفف مكتبتي المتواضعة متنقلاً باحثاً عن كتاب يحمل معلومة تنقذني من جهلي.
**ما الذي يشغل اهتمامكم في هذا الوقت الحاضر؟
-الانشغال بالمفيد هو ما يشغل الاهتمام، لذلك أبحث حالياً عن تقديم مادة إعلامية يستفيد منها الآخرون سواء كانت بمقال أو كتاب.
**الحكمة خير من الله يؤتها من يشاء.. كيف تعرفون الحكمة من وجهة نظركم؟
-هناك من يرى الحكمة هي عصارة التجارب الحياتية وإفراز للحوادث والنوازل وإلهام بعد تفكير وتدبر للأمور، والحكمة هي نتيجة قناعة راسخة، والحكمة نظر في المآل واستخلاص للعاقبة بعد استشراف للمستقبل ومعرفة للمقصد، وقال أبو بكر بن دريد: «كلُّ كلمة وعظتك وزجرتك، أو دعتك إلى مكرمة، أو نهتك عن قبيح، فهي حِكْمَة”، لكني أراها نظرة لحالة وتحليل لأبعادها الآنية والمستقبلية، ثم الحكم عليها؛ لأن السرعة بالحكم تؤدي إلى الفشل، والتريث في الحكم هو الأفضل.
**ما بين حكمة الشيوخ وهمة الشباب أيهما أقرب برأيكم.. وهل ثمة اتفاق أو فجوة اختلاف؟
-أتقرب لحكمة الشيوخ لأنها مبنية على خبرات متراكمة لسنين وتجارب عاشها الشخص، والشيوخ لا تصدر أحكامهم سريعاً، أما الشباب فلأنهم لا يملكون الخبرة فإن أحكامهم تأتي سريعة ولا تنظر للمستقبل لأنها لا تخضع للتجارب، وليس هناك اتفاق بين حكمة الشيوخ والشباب لكن هناك فجوة كبيرة تتمثل في الخبرة والتمحيص.
**هل الإنسان في هذا العالم ضل طريق الحكمة؟ وهل بالجملة تنقصه الحكمة؟
-ليس هناك من ضل الطريق ومعنى ضل الطريق في معجم المعاني الجامع أي تاه، ولم يهتدِ إليه، لذلك نسمع ونرى خلال موسم الحج والعمرة عن افتتاح مراكز لإرشاد التائهين، والتائهون هنا هم من أخطأوا في الوصول للطريق وليس من ابتعدوا عنه وساروا بطريق مخالف له، وإن عرفت الحكمة بأنها “علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في الوجود بقدر الطاقة البشرية، فهي علم نظري غير آلي، والحكمة أيضاً هي هيئة القوة العقلية العلمية المتوسطة بين الغريزة التي هي إفراط هذه القوة، والبلادة التي هي تفريطها.
**في حياتنا مراحل إنسانية مختلفة من الضعف إلى القوة وهكذا.. ماذا تتذكرون من وقائع في ثنايا المراحل؟
-الإنسان يولد طفلاً لا يملك شيئاً فيستعين بوالديه لإطعامه وتعلميه السير على الأقدام، ثم يواصل كسله وضعفه في مطالبة والديه بتعلميه القراءة والكتابة والصرف عليه حتى يكبر، وحينما يكبر يعتقد أنه قوي وبلغ أعلى سلم المعرفة والعلم والمكانة الاجتماعية متناسيا أن الفضل لله ثم لوالديه الذين حرموا أنفسهم من أجله، وعلينا أن نتذكر دوماً بأنه ليس هناك شخص قوي فالقوي هو الله سبحانه وتعالى.
**ما بين الربح والخسارة.. كيف تصفون أصعب المشاعر وأجملها؟
-لو كنت رجل أعمال لأخبرتك عن الربح والخسارة، لكني أحمد الله تعالى الذي أبعدني عن مجال المال والأعمال، ولكن إن كنت تسأل عن الربح والخسارة في المواقف والأصدقاء فما أكثرها، وما أكثر المواقف التي كشفت أطباق الأصدقاء وأظهرت حقيقتهم، أما أصعب المشاعر فهي تلك التي ترى فيها سكيناً يغرز في ظهرك من أقرب الأقربين لك، لكني لا أنظر لهذا ولا ذاك، بل أنظر لتلك العجوز التي قالت لي يوما “جزاك الله خيرا” فكانت هذه الدعوة مفتاحاً لي.
**الحزن سمة إنسانية ثابتة.. هل احتجتم له يوماً ما؟ وماهي أقسى لحظات الحزن التي مرت بكم؟
-الحزن ضد الفرح وكما نقبل الفرح ونبتسم فعلينا أن نتقبل الحزن حتى إن بكت أعيننا، وأقسى لحظات الحزن التي عشتها كانت يوم وفاة ابنتي الأولى “هوازن” التي فارقت الحياة وهي طفلة لم تكمل السبعة أشهر، وكنت وزوجتي فرحين بها منتظرين ارتدائها لملابس عيد الفطر، لكن الأجل كان أسرع وغادرت لتتركنا نعيش حزناً عليها ونتذكرها ونتذكر ابتسامتها وصيحاتها.
**التوفيق والسداد هبة من الله تعالى.. ما هي أكثر المواقف التي مرت بكم توفيقاً وسدادا؟
-إذا أخلصت النية وفقك الله، وكثيرة هي المواقف التي وفقني فيها ربي، وكنت أردد الحمد لله تعالى الذي وفقني وما توفيقي إلا بالله، وعلينا أن نعي أن التوفيق يأتي برضى الله، ورضى الوالدين، ومن يريد التوفيق فعليه أن يعمل بجد واجتهاد وإخلاص وتفاني، لا أن ينام ويقول لم يوفقني الله في هذا العمل أو هذا المشروع.
**بماذا نربط الحياة السعيدة من وجهة نظركم الشخصية؟
-الحياة أيام تمضي من عمرنا، والسعادة فرح يبهج القلب، وإن كانت السعادة تتمثل في المال كما يرى البعض فعليهم أن يسألوا المرضى من رجال الأعمال والأثرياء هل جلب لكم المال الصحة؟، والسعداء كما يقال: “لا يملكون كل شيء بل مقتنعين بكل شيء”، وإن أردت أن تكون سعيداً فلا تنظر للمال.
**هل نستطيع أن نعتبر السعادة أسلوب حياة؟
-يا سيدي السعادة هي الحياة، والسعادة ليست فرحة بسيطة تدخل قلبك وتظهر ابتسامتك، إنها جملة من الأعمال الصغيرة، أو الكلمات القليلة التي تبهج القلوب وتسعد الآخرين، ألم تقرأ ما كتبه الإعلامي الكويتي الدكتور جاسم المطوع عن لقاء تلفزيوني سأل فيه المذيع ضيفه المليونير قائلا: “ما أكثر شيء أسعدك في الحياة؟، فقال الرجل: مررت بأربع مراحل للسعادة حتى عرفت السعادة الحقيقية، الأولى: اقتناء الأشياء فكنت أظن أن الاقتناء والحصول علي الشيء الذي أتمناه يحقق السعادة، والثانية: اقتناء الأغلى والأنفس من الأشياء، لكن وجدت أن تأثيرهما وقتي.، أما الثالثة: فكان امتلاك المشاريع الضخمة كشراء الفرق الرياضية أو المنتجعات السياحية بأكملها، ومع هذا لم أجد السعادة التي كنت أتخيلها بعدما امتلكت المشاريع الضخمة، والرابعة: حين طلب مني صديق أن أساهم بشراء كراسي متحركة لمجموعة من الأطفال لديهم إعاقة حركية بالفعل تبرعت فوراً بالمبلغ اللازم لشراء تلك الكراسي، لكن صديقي أصر (دون رغبة مني) أن أذهب معه وأقدم هديتي بنفسي للأطفال، وذهبت معه وقدمت الهدية بنفسي ورأيت الفرحة الكبيرة التي تعلو وجوه الأطفال وهم يستلمون كراسيهم، وكيف صاروا يتحركون في كل الاتجاهات بواسطة كراسي بسيطة وهم يضحكون كأنهم في مدينة الملاهي، إلا أن ما أدخل السعادة الحقيقية إلى نفسي هو تمسك أحد الأطفال برجلي وأنا أهم بالمغادرة، وحاولت أن أحررها من يده برفق لكنه ظل ممسكاً بها بينما عيناه تركزان بشدة في وجهي، أنحنيت لأسأله: هل تريد شيئاً آخر مني قبل أن أذهب يا بني؟ فكان الرد الذي غير حياتي كلها وعرفت بعدها معنى السعادة الحقيقية قال: أريد أن أتذكر ملامح وجهك حتى أتعرف عليك عندما ألقاك في السماء أمام الله فأشكرك مرة أخرى”.
**متى يصل الإنسان إلى محطات النجاح؟
-إذا أخلص النية.. والنجاح ليس له محطة نهاية بل محطة وصول ومن يدعي أنه بلغ النجاح فقد تملكه الغرور ولم يعد قادراً على تقديم أي عمل آخر.
**ومتى تتوقف تطلعاتنا في الحياة؟
-لا تتوقف التطلعات في الحياة، لأن التطلع يعني البحث عن الأفضل، وهو ما لا يمكن توقفه، فالكل يتطلع للأفضل أي يسعى للوصول إلى الأعلى والأفضل.
**في الأغلب ننصف الإنسان بعد رحيله من دنيانا.. متى ينصف الإنسان قبل أن يرحل؟
-أتفق معك، لكن جائزة الدولة التقديرية للأدب التي اقترحها الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز ـ رحمه لله ـ وبرزت عام 1403 هــ وكانت تمنح كل عام لثلاثة من الأدباء السعوديين الذين أسهموا في إثراء الميادين الدينية والفكرية في المملكة، أنصفت الكثير من الأدباء وأسعدت أسرهم، واتفق معك بأننا لا ننصف الإنسان إلا بعد رحليه، وقد لا ننصفه، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي ننصف فيه الإنسان قبل رحيله.
**في الاستشارة.. من يستشير ضيفنا الكريم في مواقفه الحياتية المختلفة؟ ولماذا؟ وما هي أهم استشارة مضت؟
-تختلف نوعية الاستشارة، لكن في جميع الأحوال أردد مقولة: “ما خاب من استشار”، والنبي ﷺ أمر بالاستخارة وأمر بالمشاورة، والله تبارك وتعالى يقول: }وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ {، وإن كانت القضية عائلية فالزوجة هي المستشارة دوماً، وأحياناً كثيرة أستشير زوجتي في بعض ما أريد كتابته، أو التطرق له في الإذاعة أو التلفزيون، وليس عيبا أن تستشير، لكن العيب أن تقع في الخطأ معتقدا أن رأيك على صواب.
**متى غض النظر ضيفنا في المواقف المصاحبة له؟ وهل تذكرون بعض هذه المواقف؟
-كثيرة هي المواقف وأعتذر عن الإجابة حتى لا يغضب من أساؤوا لي، رغم أني غضيت الطرف عنهم كثيرا.
**هل ندمتم على سكوتكم يوماً؟ ومتى ندمتم على بعض كلامكم؟
-نعم ندمت على سكوتي؛ لاعتقادي أن فيه فائدة لأولئك الأطفال الذين تحدثوا عني بسوء، أما كلامي فلم أندم يوماً على كلمة دونته أو قلتها.
**في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة أحاديثنا تختلف عن واقعنا.. إلى أي مدى ترى صحة هذه الجملة؟
-وسائل التواصل كشفت عقلية البعض، فهناك أشخاص تحترمهم وتقدرهم إما لكبر سنهم أو لمكانتهم العملية أو الاجتماعية، والمؤسف أنك تجدهم في وسائل التواصل بعقلية أطفال صغار، وشباب مراهقين، ولذلك تراني بعيداً عن الكثير من القروبات.
**في حياتنا اليومية هل افتقدنا إلى الإنسان القدوة؟
-نعم افتقدنا القدوة لأننا سرنا خلف الغرب واقتدينا بلباسهم وحديثهم وأكلهم وشربهم، ونسينا أن الله أكرمنا بالإسلام الذي أصبح الغربيون يقتدون به.
**الأبناء في الوقت الحالي هل يحتاجون إلى الرأي والمشورة منا؟ وهل المسافات بعدت بيننا وبينهم؟
-نعم هم بحاجة إلى من يرشدهم للصحيح في سلوكهم وحديثهم، وأمور حياتهم، وأي ابن يدعي أنه ليس بحاجة للرأي فهو جاهل.
**الدنيا طويت على غرور.. متى وجدتم هذه العبارة ماثلة أمامكم؟
-حينما نظرت لذلك الطالب الذي نسي فضل معمله وتجاهله حينما رآه، وحينما وجدت ذلك الابن وهو ينكر فضل والده عليه.
**من أنبل الناس في رأيكم؟
-الشرفاء المخلصون في أعمالهم، الباحثون عن خدمة الآخرين بعيداً عن المصالح والمكاسب الخاصة.
**المحبطون هم أشد الناس تعاسة.. هل صادفتم هذه الفئة؟ وكيف تعاملتم معها؟
تقول التربوية الأردنية الدكتورة انتصار أبو شريعة، المحبطون الذين يحاولون الانتقاص من كل عمل جميل بأنهم “مصاصو الطاقة الإيجابية”، فهناك من يمتص طاقتك ويجعلك تشعر بالضعف والخمول والكسل بمجرد الجلوس بمرافقته، لذا فهي لا تتردد في أن تراهم سارقي الإيجابية الذين يحاولون أن يمتصوا آخر فكرة جميلة من الشخص المقابل، والمحبط من يريد أن يعمل لكنه يخشى مواجهة النقد، وقد واجهت الكثير من المحبطين الذين طالبني بعضهم بالبعد عن الكثير من الأعمال.
**هل ندمتم يوماً في النقاش مع أصحاب الوعي والإدراك؟ وهل ندمتم في النقاش مع غيرهم؟ ولماذا؟
-مع أصحاب الوعي والإدراك لم أندم لأنهم يدركون ما يقولون، ولكن مع من يدعون أنهم أصحاب وعي ورأي نعم ندمت كثيراً على مجالستهم والحديث معهم.
**هل بالفعل أصبحنا نفتقد القامات الكبيرة في الصحف السعودية كما في السابق؟
-إن كنت تقصد بالكتاب فقد أتفق معك في هذا، فالكاتب في السابق كان ينقل هموم الناس بصدق وأمانة ويوضح للمسؤولين حقائق الأمور، أما اليوم فالبعض من الكتاب يكتبون ليقال أنهم يكتبون، أما هدفهم الحقيقي فينصب حول الحصول على تكريم بدرع أو شهادة من قبل هذه الجهة أو تلك، ومثل هؤلاء ليسوا كتابا، بل مستكتبون يفقدون المصداقية، ولا تستطيع أقنعتهم أن تواري أهدافهم وغاياتهم، ومن يبيع قلمه من أجل مصلحة خاصة فلا تتوقع أن يقدم عملا جيداً.
أما إن كنت تقصد بالقيادات التحريرية داخل الصحف فالمؤسف أن الكثير من الصحف المحلية لم تجهز الصف الثاني، لذلك أصبحنا نفتقد اليوم للمحرر المتمكن، انظر للصحف العربية الأخرى تجد أن عملية التدوير لديها مستمرة حتى وإن تراجعت الصحافة الورقية.
**يلاحظ عليكم في طرح أغلب مقالاتكم شيئاً من الحدة.. بماذا يمكن أن نفسر هذا الحالة؟
-إن كنت صاحب حق فمن حقك أن تطالب بحقوقك دون خوف أو قلق، وما أكتبه ينصب في هذا المضمون، فالدولة ـ أيدها الله ـ تنفذ المشاريع لخدمة المواطنين والموظفون يعملون لخدمة المواطنين، ومن حق المواطن الحصول على الخدمة التي وفرتها له الدولة فلماذا التهاون في تقديم الخدمة!؟
لقد عانى الكثير من المواطنين في السابق من تأخر معاملاتهم بالقطاعات الحكومية، وكانت عبارة: “راجعنا بكرة” أو”راجعنا الأسبوع القادم” هي السائدة واليوم وبفضل الله سبحانه ثم دعم القيادة أصبح المواطنون يحصلون على خدماتهم بشكل جيد وأي تقاعس من موظف أو جهة فهناك هيئة الرقابة ومكافحة الفساد “نزاهة” التي تتصدى لكل من يحاول تعطيل مصالح المواطنين أو مساومتهم.
**هل من كلمة أخيرة لضيفنا الفاضل؟
-إن كان أصعب شيء في الوجود هو الرحيل عمن نحب، ولا أقول كما قال شكسبير: “لا تثق في البدايات، فأصدق الكلام يقال في اللحظات الأخيرة، ففي بداية أي علاقة تظهر المشاعر وفي نهايتها تظهر الأخلاق”، لكني أقول أتمنى أن أكون ضيفاً خفيفا على الجميع وأن أفيد من يقرأ وأستفيد من تعليقاتهم.