استوقـفـتني آية سمعتها أكثر من مرة في أزمنة وأمكنة مختلفة وآخرها في رمضان الحالي؛ لذا قررت الغوص في معانيها وتأمل ما فيها، وأضع ما فهمت بين قلوبكم وعقولكم لنتعلم ونعلّم، ونستفيد ونفيد، وهذه الآية هي: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة: 83).
سبحان الله قولوا للناس حسنًا جاءت عامة وليس خاصة إلا بمقياس بعض البشر مُطعمة بوصايا شيطانية، وأحيانًا بالأنا الذاتية حصروا القول الحسن وخصصوه لحالات وأشخاص وأوقات وأماكن فصّلوها على طريقـتهم الخاصة كما أرادوا وشاءوا، ياليتهم سمعوها من القرآن وأنصتوا إليها، ومن ثم ذهبوا وفسّروها وتدبروها وفهموها، وطبقوها على أنفسهم وغيرهم امتثالًا للآية الكريمة (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة: 83).
ياليت نكثر الحديث حول هذه الآية حتى تعم المحبة بين عموم البشرية والاحترام والإحسان بدلًا من معاول هدم التواصل والتلاقي والتراحم والتكافل، صارت فئة تطبق القول الحسن بالمزاج تراها مع أهلها “غلاظ شداد” بالأقوال والأفعال غير الحسان أما مع الأصدقاء والأحباب أقوالهم تقطر عسلًا وتذوب جليدًا وتصهر حديدًا وتخطف قلوبًا وتأسر نفوسًا وتجمع جموعًا، يا سبحان الله كيف لهذا النقيض أن يجتمع في شخص واحد لدرجة أنه تفوَّق على أمهر الممثلين في تقمص أدوار البطولات أم تعتقد بأنه مصاب في اضطراب الشخصية، وانفصام في التفكير والتعاملات.
هناك كذلك فهم أن القول الحسن فقط للمسلمين وغيرهم لا يستحق القول الحسن جهلًا منه أو تجاهلًا مركبًا أو تفسيرًا حسب هوائه ومزاجه أو سمعًا وطاعة لجماعة أو فكر ضلت طريق الإسلام وتاهت في عالم التطرف والتزمت، وهناك من فهم القول الحسن فقط في مجال عمله مع الزملاء أروع ما يكون مدرسة في القول الحسن والأفضل بلا منافس في عمله أدبه الذي تفوق عليه وكلهم يغبطون من يعيشونه معه “ويا بخت” دائرته المقربة هنيئًا لهم العيش الكريم والرغد الهنيء مع أفضل موظف شهدتهم مسيرتهم الوظيفية، وهو في حقيقة الحال مع الأقرباء “جلف صعب غلظ” لا يُطاق النار المستعرة والسهام الملتهبة تعذبهم عذابًا شديدًا؛ فلا هم سلموا من قوله ولا فعله.
تمهَّل أخي الحبيب ودعنا معًا نفهم الآية بالشكل الصحيح، ونطبقها ونتبع شريعتنا الغراء بما ينفعنا دنيا وآخرة، وينفع غيرنا بلا شك.
يفسر ابن كثير الآية بقوله: «أي كلموهم طيبًا؛ ولينوا لهم جانبًا؛ فالحسن من القول أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحلم، ويعفو، ويصفح، ويقول للناس حسنًا كما قال الله؛ وهو كل خلق حسن رضيه الله»
هناك آيات قريبة من آية اليوم حيث قال تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) (العنكبوت: 46)
قال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ) (الإسراء: 53)، إنه الشيطان الرجيم الذي ترك الكافرين طائعين له، واتجه نحو المسلمين للتحريش بينهم والتفريق والتمزيق بدون أسلحة حديثة بل بالكلمة الواحدة التي يشعل منها حروبًا ويطفئ أنوارًا، ويسوّد صحف القلوب ويبيَّض سجلات الخير، ويجعلها فارغة وخاوية على عروشها، كلها بكلمة إما تثمر تعمر تغمر حسنات أو تخمر وتجمر وتحمر وتدمر حسنات، وكلاهما بكلمة وهي تلك ملكنا وسيطرتنا وإدارتنا، وحجة أن الشيطان هو المحرك والدينمو لا تتفق ألبتة مع كيد الشيطان كان ضعيفًا.
قال الزمخشري: “خير الألسن المخزون، وخير الكلام الموزون، فحدث إن حدثت بأفضل من الصمت، وزين حديثك بالوقار، وحسن السمت”.
العرب تقول في أمثالها: “إياك وأن يضرب لسانك عنقك”.
أي إياك أن تلفظ بما فيه هلاكك.
الكاتب/ د.جمال محمد النقبي