كنت سأحترم المدير الفني السابق لمنتخبنا الوطني الأول لكرة القدم السيد هيرفي رينارد لو ظل على حالة الصمت التي التزمها طوال فترة التكهنات والشائعات والإرهاصات بقُرب رحيله، وحتى بعد إعلان رحيله، وفقًا لطلبه بالإعفاء، الذي قدمه لمجلس إدارة الاتحاد السعودي لكرة القدم، وتم قبوله بمترتباته القانونية؛ ولكن أن يخرج علينا رينارد – عقب قبول طلبه – لتبرير خطوته “المفاجأة” بالقول: “أعتقد أنني قدمت كل ما لدي للمنتخب السعودي، ولن أستطيع تقديم أفضل مما قدمته. لقد نجحت في نقل المنتخب إلى مرحلة متقدمة، كان يجب أن أكون صادقًا مع الجميع”.. فهذا “تبرير” أقل ما يُقال عنه إنه “مخاتلة” وشعور زائف، لجملة من الأمور؛ منها أن مثل هذه القناعة الشخصية بعدم القدرة على تقديم أي إضافة جديدة لا يمكن أن تنشأ لدى أي مدرب محترم بين عشية وضحاها، بافتراض أنه يتبع نهجًا إحصائيًا ويسلك مسارًا علميًا دقيقًا في عمله، ويدوِّن ملاحظاته، وينتهي إلى خلاصاته تبعًا لها، فلو أنه صرّح بها عقب مونديال كأس العالم بقطر، لكان ذلك أدعى للاحترام والقبول، ولكن أن يعمد بعدها إلى تجديد عقده مع “اتحاد القدم” لفترة تمتد حتى 2027م، فلا مجال إذًا للقول “بعدم القدرة على تقديم أي إضافة”؛ فمن يجدِّد عقده لأربع سنوات مقبلة، يعني بالضرورة قناعته المطلقة ببرنامجه الطموح، وقدرته على إحداث التغيير المنشود، بخاصة وأنه قد وُفّرت له كافة الصلاحيات والإمكانات، ولم يتدخل أي طرف في عمله الفني، رغم الملاحظات والنتائج غير المرضية لـ”الأخضر” من بعد مباراة الأرجنتين الشهيرة.. والأدهي والأدعى لعدم احترام هذا التصريح المخاتل، هو تزامنه مع اتفاق “رينارد” مع منتخب “سيدات فرنسا”، فلو كان “رينارد” صادقًا مع الجميع كما يزعم، لطلب إعفائه دون تحديد وجهته مسبقًا، فهل كان “رينارد” سيقدم هذا الطلب في ظل عدم وجود أي عرض لتدريب أي جهة كانت؟! الإجابة حتمًا لا.. ولا “مغلظة”، بخاصة وأنه في تصريحه لم يشر من بعيد أو قريب إلى عقده الجديد مع “سيدات فرنسا”..
لقد كان رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم الأستاذ ياسر المسحل أكثر وضوحًا من “هيرفي” بتحديد السبب الأساسي والجوهري لطلب الإعفاء، بقوله: “إن مدرب المنتخب السعودي الأول الفرنسي “هيرفي رينارد” تقدَّم بطلب الإعفاء من إكمال مدة العقد المتبقي؛ نظرًا لعرض وصله من الاتحاد الفرنسي، كما تواصل معنا الاتحاد الفرنسي حول هذا الشأن من خلال خطاب وصلنا”..
على أيِّ حال؛ لم يوفق “رينارد” في تصريحه الذي أدلى به، وبرأيي أنه لم يحترم الجميع بمثل هذا التبرير “المخاتل” والذي لم يكن بحاجة إليه، فمسيرته مع “الأخضر” شهدت نجاحات وإخفاقات، شأنه شأن أي مدرب، فله الشكر على ما قدّم، والعتب عليه فيما صرّح به، والأمنيات بأن يُوفق “اتحاد القدم” في اختيار مدرب كفء يقود مسيرة “الأخضر” في مرحلته المقبلة، بخاصة وقد علا صيته عقب مباراة الأرجنتين الشهيرة..
والله ولي التوفيق.. وكل عام وأنتم بخير.
-كاتب وباحث أكاديمي