يكون خيالنا ونحن أطفال خصبًا بما فيه الكفاية؛ لنتجاذب أطراف الحديث مع مخلوقات خرافية لم توجد إلا في أذهاننا أو مقـتنعين بقوة أن شخصياتنا المفضلة ممكن أن تقفز من شاشة التلفاز وتمازحنا في أي برهة وغير ذلك الكثير ليُقال ويصاغ في عالم الخيال الطفولي. غير أنه ومن المثير جدًا اندثار ذلك الخيال شيئًا فشيئًا مع التقدم في السن.
يطلق الجميع على اختفاء الخيال “نضج” من داء السذاجة وقرب ونيل للواقعية والعيش في الحقيقة، إلى أن أثبتت الأبحاث السيكومعرفية والطاقة البشرية أن الخيال لا يختفي بل يكبت وبقوة، وجاءت الأبحاث أيضًا بحقيقة أن الخيال بداية صنع للواقع، كيف ذلك؟ يحدث أن نتمنى وظيفة معينة في سنة مبكرة نطلق عليها وظيفة الأحلام أو نتمنى نمط حياة معين أو شريكًا معينًا لا ندرك إلا لاحقًا أنها ولدت في بادئ الأمر في مخيلتنا، وكانت مصدر القوة لنا لخوض سنين من الكد سعيًا لتحويلها إلى واقع معاش.
ربما تتساءل الأذهان الآن إذا لماذا لا نحصل على كل ما نتخيله؟ بل ومن الندرة أن نحصل تمامًا على ما رسمته أذهاننا بنفس الصورة؟ الجواب القصير هو: كيفية استخدامنا للخيال. أما العميق المفصل هو عدم إيماننا بقوة الخيال وأنه البوصلة التي تموقعنا في الحقيقة، فالخيال ليس أحلام يقظة نفر بها من وحشة الظروف ولا أداة تسلينا أوقات الضجر، الخيال هو تلك الملكة التي نطلق فيها العنان لأهدافنا، لأحلامنا بأن تصاغ وتنتفض وتخرج للعلن، فالخيال أداة الفرد الناجح على أن نؤمن بقوتها غير متناسين أنها لا بد أن ترتبط بواقعنا وظروفنا المعاشة هذا لا يعني أبدًا الحد من ما يُحاك في مخيلتنا بل ميكانيزم دفاعي حتى لا نصطدم بواقع مغاير فننتكس ونتخلى عن طموحاتنا.
إذا ما هي وصفة الخيال؟ هي و باختصار لا إجحاف، جُرعة نفس عميق تُعشش في خلايا أدمغتنا مصطحبة معها العُمق في البحث عما يجعل أفئدتنا ترفرف بهجة إن حققناه، نصوغ تلك الصورة نطرح أسئلة وبشدة كيف وأين ولماذا الآن تكون الصورة قد جهزت، لا بد أن تكون ذات جودة عالية فخمة متحدية صارخة تبث القوة في صاحبها فيبدأ الكد والعمل لتحويلها إلى حقيقة تكون هي الأخرى منبع حلم جديد بصورة جديدة ووتيرة مطابقة وهكذا دواليك حتى نحوَّل واقعنا إلى أقرب ما كان يجول في نواصينا.
قد يبدو الأمر أسهل ما هو عليه في الواقع لكن نعلم وبشدة أن التمرين يُذلل الصعاب، فالأمر لا يولد بين لحظة وأخرى وقد لا يكون مستصاغًا من أول وهلة لكن لا بد من المثابرة ومعروف أن الإرادة مفتاح التحرك، ولنُعمق أهمية الخيال التي أجحفنا كثيرًا إلى العصر الراهن في حقها لا بد من التذكير أنه مفتاح إدارة قانون الجذب، فنحن عندما نتخيَّل نجذب إليها الهدف في أحب صوره وأكثرها إيجابًا.
0