المقالات

الإجازات المرضية وسوء الاستخدام

كان يعملُ معنا في ثانوية حراء معلم فاضل سبق له أن درسني في معهد المعلمين الثانوي، واسمه الأستاذ/ داوود شمس الدين “رحمه الله” وأسكنه فسيح جناته”… جاءني في يوم من الأيام وقدّم لي خطابًا يطلب فيه الموافقة على تقاعده المبكر بعد مرور (25) عامًا على عمله في التدريس.. وفوجئت بطلبه ذلك واعتقدت أنه قد واجه معاملة غير لائقة به مني أو من أحد الزملاء الوكلاء، وجلست معه أطلب منه التراجع أو مبررًا لذلك، خاصةً وأنه قادرٌ على العطاء ومن أفضل المعلمين انضباطًا وأداءً وتعاملًا.. فأكّدَ لي أنه يحظى بتقديرنا له ولم يجد ما يعكّرُ صفوه، ولكنها رغبته فأصريت على طلبي، وهو أن يعطيني مبررًا لذلك… وبعد إلحاحٍ منّي قال لي السبب، والذي “أدهشني كثيرًا” حينما قال لي سأقول لك السبب، ولن أقوله لأحد غيرك [السبب أن المرتب الذي أستلمه يفوق بكثير الجهد الذي أبذله .. فإذا كان بإمكانكم تقليص الراتب ليكون بقدر الجهد الذي أبذله فسوف أستمر معكم…]، وهنا فوجئت بحجته حيث إنه ولأول مرة يمر علينا موقف مثل هذا الموقف؛ فالعادة أن بعض الموظفين يبدعون في وسائل الحصول على أعذار متعددة كتبرير لغيابهم.. حتى ولو كانت غير صحيحة، والشيء المؤثر أنه مات في حادث سيارة بعد بضع أسابيع من تقاعده.
وحاليًا وللأسف الشديد يعمل بعض الموظفين على استغلال الخدمة التي تُقدمها وزارة الصحة للمواطنين للحصول على إجازة مرضية عبر تطبيق (منصة صحتي)، ونجد البعض منهم لا يتوانى عن الغياب وإحضار غياب طبي ولو كل أسبوع.. وقد يصل الأمر إلى مرتين في الأسبوع، وهذا سوء استخدام وتحايل على النظام لا يجوز شرعًا ولا أخلاقيًا..
وهنا أذكر أيضًا موقفًا مغايرًا لموقف (الأستاذ: داوود “رحمه الله”)؛ حيث تحدثت مع أحد المعلمين الذي كثيرًا ما يحصل على إجازات مرضية، وهو شاب لم يصل الثلاثين من عمره، وذكرت له أن غيابكم المتكرر قد أضر بمستوى طلابك وحصل عندهم فاقد تعليمي لا بدّ من تداركه؛ فوعدني بعدم الغياب وطلب منّي في نفس الوقت أن أسمح له “فقط” في اليوم التالي للذهاب بوالدته للمستشفى؛ لأن لديها موعدًا محددًا مسبقًا؛ فوافقت له على الفور وتمنيت لوالدته الشفاء، وله الحصول على رضاها..
وفي اليوم التالي لغيابه أحضر لي تقريرًا طبيًا!! فقلت له: لقد استأذنت منّي.. فلماذا أحضرت التقرير الطبي؟ فقال: خِفْتُ من أن تقوموا بالحسم عليّ؟!! وهذا ما أقصده من سوء استغلال البعض للإجازات المرضية بدون وجه حق؛ فهي خصصت للمريض الذي لا يستطيع أن يؤدي عمله على الوجه الأمثل بسبب مرضه.
سائلين الله -عزّ وجل- أن يشفي كل مريض، وأن يلهمنا الصواب في الأمر كله، إنه على كل شيءٍ قدير.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button