تحقيقات وتقارير

“بحيرة البرلس” محمية طبيعية مصريّة يهددها التلوث

تحقيق – محمد بربر

بحيرة البرلس من أقدم البحيرات المصرية وأعرقها، وثاني أكبر البحيرات الشمالية، وتتميز بالكثير من الخصائص التي تحفظ لها مكانتها خصوصًا وأن مساحتها تبلغ نحو108 آلاف فدان بطول 70 كيلومتر، وتضم حوالي 135 نوعاً نباتياً برياً ومائياً فضلا عن استقبالها الطيور البرية المهاجرة، لكنها تواجه عقبات عدة تجعل الصيادين يعانون بشكل كبير في ظل التلوث والتعديات والسطووغيرها من الجرائم التي ترتكب في حق البيئة والناس ويدفع ثمنها آلاف الأسر.

بنبرة حزن تحمل الكثير من الأسى يكشف عوض ناصر، 46 عامًا، عن المشاكل التي تواجهه خلال عمله بالبحيرة، يعقد مقارنات مختلفة بين الواقع والماضي القريب ويتذكر كيف كانت بحيرة البرلس تزخر بالخير، “منذ عشرة أعوام فقط كنا هنا نصدر أفضل أنواع الأسماك، وبدأ الرزق يضيق شيئًا فشيئًا دون أن نشاهد أي اقتراحات أومبادرات أومشاريع لتطوير وتنمية المنطقة، على العكس تمامًا، نواجه تقسيم البحيرة من خلال بعض المسجلين، وسرقة الشبك والمعدات وخصوصًا ماكينات المراكب والأدهى من ذلك هوالفساد الذي ينخر في عظام البحيرة ويتمثل في صيد الذريعة وهوأمر محرم قانونًا لكن يحدث يوميًا وأمام أعين الجميع”.

وأضاف ناصر، “البعض يسافر إلى دول أخرى بحثًا عن مكان أفضل لممارسة مهنته والحصول على قوت يومه له وأولاده، الخير قل ولا يمكن أن تعيش أسرة تعتمد على الصيد في البحيرة، وآخرون يغيرون مهنتهم ويبحثون عن مصدر دخل أكثر استقرارًا حتى لوكان العائد أقل، المعيشة صعبة ونحتاج إلى تدخل الحكومة لاسيما وأن آلاف الأسر يعيشون على حرفة الصيد في برج البرلس”.

ويشير التابعي خليفة، ويبلغ من العمر 55 عامًا، صياد، إلى أن صائدى الزريعة نجحوا في سرقة البحيرة، مطالبًا الحكومة والبرلمان بتشديد العقوبات على هؤلاء، مضيفًا “يعني إيه الغرامة تبقى شوية جنيهات واللي بيصطاد مخالف بيكسب في اليوم مش أقل من ألفين جنيه، وغير المكسب إحنا كمان محتاجين نعيش، عايزين نظام لأن ورانا عيال وأهالينا من سكان المنطقة من 100 سنة، وأصحاب المزارع السمكية بيشغلوا الصيادين عندهم علشان الذريعة، بيشتروها بسعر عالي ويكسبوا منها ومفيش حد بيقولهم بتعملوا إيه رغم إن الموضوع ده بيحصل من زمان”.

لم تكن الأزمة عند ناسنا في بحيرة البرلس تتمثل في صيد الذريعة المخالف للقانون والطبيعة – معًا – لكن التلوث لم يمهل القوارب الراسية على شاطئ البحيرة والتي يحلم أصحابها بالحصول على صيد ثمين كما عهدهم بالمنطقة، يقول خليفة “بنشوف الصرف الصناعي والزراعي والصرف الصحي وهوبيدمر أكل عيشنا والأمر منتشر ومستمر على نطاق واسع، مرة سمعت في التليفزيون مسئول كبير في الدولة بيقول إن مفيش صرف في البحيرة، قلت نفسي ينزل البرلس ويشوف معايا قد إيه بيتعب الصياد الغلبان، التلوث فاق كل الحدود”.

ويتابع حديثه “الصيادين بيروحوا مناطق تانية للصيد رغم إن الدنيا كلها كانت بتتكلم عن السمك بتاعنا، أحلى قاروص وأحلى دنيس لكن مدن القناة وبعض المناطق على الحدود أصبحت الملاذ الأخير علشان ربنا يكرمنا”.

تجنب الكثير من الصيادين الحديث عن الأهوال التي تواجههم حين يفكرون في الصيد من بعض المناطق القريبة من الحدود، أوخارج المياه الإقليمية، يتعرضون للموت بكل ما تحمله الكلمة من معنى لكنهم يتمسكون بالفرصة التي لا تتكرر كثيرًا، وقد تستمر الرحلة منذ مغادرة المركب برج البرلس وحتى عودتها أسابيع.

يسرد أحمد المغازي، 33 عامًا، قصته التي بدأت منذ الصغر، “هنا يعمل أكثر من 3 آلاف صياد، أهالينا بيقولوا إنهم 50 ألف والمسئولين ميعرفوش حجم البحيرة اللي ممكن تدر دخل كبير للبلد، وعملة صعبة من خلال تصدير الأسماك، فكرنا نعمل مصنع لتغليف وتعبئة السمك لكن واجهنا مشاكل كتير، لكن عايزين نتكلم عن التعديات ومحتاجين حملات كبيرة لإزالتها، الكبار بيسطروا بنفوذهم وبيحرمونا من الصيد في مناطق معينة، احتكار رغم إنها بلدنا زي ما هي بلدهم، إزاي الواحد يخرج من بيته الصبح علشان يرجع بعشرين جنيه أومن غير أي مكسب،  ناكل منين”.

يواصل حديثه “تطبيق القانون هيكفل لينا الصيد وهيحاصر المحتكرين واللي بيصطادوا الذريعة،  فيه انفلات ولازم الحكومة تواجهه، وآخر حملة كانت من شهور لكن المخالفين بيرجعوا تاني لأن الغرامات ضعيفة ولا تتناسب مع المكاسب اللي بيحققوها”.

وينتقل حمام كمون عضو جمعية صيادين برج البرلس إلى أزمة ارتفاع أسعار معدات الصيد بشكل كبير خلال الآونة الأخير ويرجع الأمر إلى ارتفاع سعر الدولار وغياب شركات القطاع العام التي كانت تمثل قوة لا يستهان بها ليصبح الصيادين في قبضة التجار، على حد قوله.

وعلى الرغم من تضارب الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية، يطالب كمون بتطبيق القانون رقم 1444 لسنة 1998 والذي يقر بأن البحيرة محمية طبيعية، وفقًا  لقرار مجلس الوزرا ء، ما يعني أهمية شن حملات لمواجهة التعديات التي تتسبب في تشريد آلاف الصيادين، مطالبًا الرئيس عبد الفتاح السيسي بتدشين مشروعات تنموية للأهالي.

كما يطالب بتكثيف وجود أفراد شرطة المسطحات في البحيرة في منطقتي سيدي سالم والبرلس، للحفاظ على ثروات البحيرة وحمايتها من السلب وضبط صائدي الزريعة، موضحًا وجود أسماك مختلفة الأنواع تتمثل في الحنشان والدنيس والأروص والطوبار.

وألمح إلى وجود أزمة أخرى تتمثل في رغبة العشرات من الشباب في الهجرة حتى لوكانت بشكل غير شرعي، “الواقع بيقول إن ناس كتير هاجرت بطرق غير شرعية سواء عن طريق البحر أوالصحرا من مطروح، الكل بيدور على مستقبله رغم إننا لوقدرنا نطور ونحمي بلدنا هنعمل كتير وهنكسب والشباب هيقعد في بلده”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى