حوار – محمد بربر
فتاة طامحة حالمة تجسّد واحدة من علامات العبقرية المصرية، رغم حداثة سنها، وتأمل في أن تتبنى الدولة المصرية مشروعاتها العلمية التي حازت إعجاب العالم، حتى أن إحدى دور النشر الأمريكية طبعت مليون نسخة من كتاب يحمل قصتها المختلفة.
تقف ياسمين يحيى محاضرة في محافل علمية دولية عديدة، تطير إلى الشرق والغرب، تناقش بحثًا وتشارك في ندوة وتفسّر ظاهرة وتشتبك من أجل فرض علمي، وقبل ثماني سنوات، كان لنا معها حوار ثري وقت أن حصدت المركز الأول على العالم فى مسابقة «إنتل إيسف» الدولية للعلوم والهندسة، وهى أرفع جائزة عالميًّا فى مجال البحوث العلمية للمرحلة ما قبل الجامعية.
نعود مجددًا، في السطور التالية، مع ياسمين.
س: بعد مرور هذه السنوات.. ما الذي تغير؟
ج: كل لحظة العالم يتغير – تضحك – انطلاقتي كانت في مسابقة في مجال علوم البيئة خلال مسابقة “إنتل ايسف” الدولية للعلوم والهندسة 2015 المقامة في مدينة بيتسبرغ التابعة لولاية بنسلفانيا الأمريكية، وحتى الآن مهتمة بهذا المجال، لكن تحققت بعض النجاحات على مستوى التجارب، وكذا الاشتراك في مسابقات جديدة، بأبحاث أراها أيضا مفيدة للبيئة والمجتمع، وأتمنى أن أساهم في تنفيذها بالتنسيق مع الأجهزة التنفيذية في مصر.
س: هل تأثرتِ بالريف في مجال علوم البيئة.. فلنبدأ مثلا بقش الأرز؟
ج: أنا من أسرة ريفية، وتحديدًا قرية كفر المنازلة التابعة لمركز كفر سعد بمحافظة دمياط، ومن أسرة بسيطة ولدي شقيقان وأحب البحث العلمي منذ صغري وكنت شغوفة بالاختراعات والاكتشافات وعلوم البحار والفضاء، لكن قبل قش الأرز، أريد أن أوضح أن أول مشروع بحثي تقدمت به في مسابقة علمية كانت فكرته على تصنيع أقمشة تعمل على توليد الكهرباء عن طريق حرارة الجسم، ثم بعد ذلك وجدت قضية قش الأرز مشكلة تؤرق الحكومة والمزارعين والمجتمع ككل، فظللت لمدة عام أعمل على بحث لاختراع جهاز يعمل على إنتاج الطاقة سواء الهيدروجينية والكهرومائية ومواد أخرى تستخدم في أعمال البناء من قش الأرز، ضمن ما يمكن أن نعتبره تدوير مخلفات البيئة والاستفادة منها في ظل نقص مصادر الطاقة واحتياجنا إلى موارد أخرى، والجهاز يعمل عبر تمرير غازات قش الأرز على طحالب تنتج بطريقة معينة بايو ديزيل وزيت، وهذا يمكن أن يعمل على التخلص من السحابة السوداء والتي تؤدي إلى الكثير من أمراض الجهاز التنفسي والعصبي.
لقاءات الرئيس السيسي.. رؤى وواقع
س: التقيتِ الرئيس عبدالفتاح السيسي، في مرات عديدة، هل كانت لك رؤى خاصة بالبحث العلمي؟
ج: المرة الأولى كانت في العام 2015، وقتها كنت صغيرة لكني سعدت جدًا بهذا اللقاء، أول مرة أقف أمام رئيس الجمهورية، وكان بشوشًا وأثنى على العلماء والباحثين، وطلبت منه ضرورة أن تهتم الحكومة بتطوير المناهج التعليمية ودعم مؤسسات البحث العلمي، كما طلبت أيضًا أن تقدم الحكومة على بناء كليات عسكرية علمية للبنات، هناك الكثير من الجهود التي تبذل من قبل الباحثات في مجالات علمية متعددة في مصر، ولابد من استثمارها، بعدها التقيت الرئيس عدة مرات في حفل إفطار العائلة المصرية، وكل مرة كان يصافحني ويشيد بجهدي ويثني على الباحثين، ويؤكد على ضرورة مواصلة التفوق والنجاح من أجل المزيد من الاختراعات، وأما عن الرؤى الخاصة بي في الوقت الحالي، فأتمنى دعم ميزانية البحث العلمي من قبل الحكومة، وتقديم النماذج المتميزة من الباحثين وتكريمهم ليعرف المجتمع أهمية البحث العلمي، ويوجه أولاده نحوه من خلال المدارس والمراكز البحثية، فضلا عن دور الأسرة في تشكيل عقلية الطفل، بعيدًا عن القوالب المعتادة.
س: وماذا عن الكتاب الذي يحمل صورتك وجرى توزيعه في الولايات المتحدة الأمريكية؟
ج: بعد لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، في العام 2019 كانت هناك مسابقة علمية اشتركت بها، ثم وجدت مؤسسة أمريكية تتواصل معي وتعرض علي نشر قصتي في كتاب، وهي مؤسسة هلنان الأمريكية، والغرض من ذلك كان تعزيز دور البحث العلمي وتقديم النماذج المتميزة في هذا المجال، شعرت طبعًا بالفخر وأسعدني الكتاب، وقدمت قصتي ليستفيد منها كل طالب في العالم، استغرق المشروع نحو ثلاث سنوات، وقامت المؤسسة بطباعة مليون نسخة وتوزيعها على معظم المدارس والجامعات ومؤسسات البحث العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية.
س: كان هناك تكريم آخر.. كويكب ياسمين مصطفى.. ما الذي حدث؟
ج: لا أعرف ما الذي حدث تحديدًا، فوجئت بتواصل مسئولين من الوكالة معي، وإطلاق اسم عائلتي على حزام من الكويكبات “MOUSTAFA 31910 “، وتلقيت اتصالات عديدة بعد ذلك من داخل وخارج مصر، لا أملك إلا أن أقول الحمد لله، تكريم الوكالة لم يكن في بالي، وفي كل محاضرة تحفيزية أقدمها أبدأ بالحديث عنه، لأن لكل مجتهد نصيب، وأسعى دائمًا للمواصلة والاستمرارية، أشارك في المسابقات العلمية عمومًا منذ كنت في الصف الثاني الإعدادي، والآن أتمنى أن أوفق في تقديم إنجازات جديدة.
رحلة البحث عن “نوبل”
س: ياسمين.. ما أحلامك التي لم تتحقق بعد؟
ج: حلمي أن أحصل على جائزة نوبل، التقيت مرشحين وحاصلين عليها في مجالات العلوم والبيئة خلال رحلاتي، أسعى أيضًا أن أقدم حلول حقيقية للمشكلات البيئية التي تعانيها المجتمعات النامية، وأن أكون نموذجا يمكن أن يحفز الناس على الاهتمام بالبحث والتعليم والتثقيف والتوعية حتى يصبح المجتمع أكثر تقدمًا، وفيما يتعلق بالاختراعات أحلامي لا تتوقف أبدًا.
س: تقدمين محاضرات تحفيزية في دول عديدة.. ما نصائحك للشباب في مثل سنك؟
ج: أذهب إلى مدارس وجامعات مختلفة صحيح، لكن الأمر لا يتعلق فقط بالشباب، الإرادة لا تعرف عمرًا محددًا، لكني أتوجه دائمًا لمن هم في مثل سني بنصيحة أولى وهي المثابرة، الشغف، البحث عن الذات، عدم التقوقع داخل الإحباطات ومصادر الإحباط والقلق والتوتر، أعتقد أنها أمراض العصر، ثم وضع خطة حياة، مهنية وعلمية وعملية، ومتابعتها خطوة بخطوة دون تكاسل، كما أهتم جدًا بأن يعرف كل شخص إجابة سؤال مثل: لماذا أنا؟ ليس الأمر مجرد محاضرة في التنمية الذاتية، وإن كانت من الأمور المهمة، لكن هناك من يسرقه العمر ولا يعرف من هو ولماذا؟ وأخيرًا.. العمل ثم العمل ثم العمل.
س: المرأة في قاموس ياسمين يحيى.. ما الذي تعنيه؟
ج: أفخر بكوني امرأة، أنا تلقيت كل الدعم من السيدات في حياتي، أمي وقريباتي وحتى صديقاتي، المرأة عمومًا نموذج مشرف لأنها تتحمل المسئولية وتقدم كل ما تملك في سبيل إسعاد أسرتها، ولا تدخر جهدًا في ذلك، وتنافس في المناصب التنفيذية والقيادية وتقتحم المجالات الصعبة وتنافس علميًا ورياضيًا وتحقق إنجازات ملموسة، وليس الأمر وليد الصدفة أو هو رهن اللحظة بل من زمن بعيد، لدينا الكثير من الأسماء المهمة في مجالات العلوم والأدب والفن والصحافة، وحتى المرأة في مصر قادت وزارات وحركات شعبية وثقافية منذ عشرات السنين.