محمد بربر
بيوت متراصة تجاور بعضها البعض تتخذ شكلًا واحدًا في هيئتها وحتى تدشينها إذ أن كلها مبنية بالطوب، حركة نشيطة في أرجاء القرية فلكل شخص دور ومهام ينفذها بلا ملل أو ضجر، في قرية “الطويرات” التي تقع بمحافظة قنا وتشتهر بصناعة “الفخار” حتى ذاع صيتها ونجحت في أن تحظى بمكانة مميزة في هذه الصناعة على مستوى الجمهورية.
والفخار من الحرف الشائعة فى محافظات الصعيد ويعتمد عليه الكثير من الأهالي في الجنوب كمصدر للعيش، ويعود تاريخه إلى العصر الفرعوني وعلى الرغم من التقدم التكنولوجي الهائل وعزوف الناس عنه وتفضيل الأواني المعدنية والخزفية لكن البعض يؤكد أن “القلل القناوي” التي غنى لها سيد درويش لا تزال تحتفظ بقيمتها عند المصريين.
ورغم المخاوف من اندثار مهنة صناعة الفخار بأشكاله المتنوعة وأغراضها المتعددة، بمجرد الوصول إلى قرية الطويرات تجد البيوت تحتفي بهذه الصناعة إذ يزين أسطحها الكثير من “القلل” لتجسد أهمية هذه الصنعة عند أهلها، لاسيما وأنها تعتبر مصدر رزقهم الوحيد الذى يعيشون عليه طوال السنة.
مراحل عدة وصعوبات تواجه العاملين في هذه الحرفة، بداية من جمع وتحطيم قطع من الصخور وسط الجبل الممتد في المحافظة، مرورًا بعملية تجميع حطام التكسير ونقله ثم إدخاله لعملية التليين وبعدها وضعه في الفرن، يسرد حسين أبو العاجز، صاحب أكبر معمل لصناعة الفخار فى القرية، الخطوات التي يتبعها الصنايعية لإنتاج الفخار بأنواعه موضحًا “اليوم يبدأ في الخامسة صباحًا ويمتد حتى السادسة مساء ويعمل في هذه الحرفة الكبار والصغار، وحتى السيدات لهن دورهن لإنجاز العمل، وهي موجودة منذ عشرات السنين وطبعًا تعتبر من المهن الشاقة ونجحت القرية في أن تكون مشهورة على مستوى الجمهورية بإنتاجها المميز”، مشيرًا إلى أن المرحلة الأولى تتمثل في تجميع حطام كسر الصخور للحصول على مادة “الطفلة” من مناجم الجبل “يدويا” دون الاعتماد على الديناميت، لافتًا إلى أنه هناك أكثر من طريقة للحصول عليها يعرفها أهل الصنعة، قبل حملها على الجرارات “سيارات النقل” ثم يجري تعريض هذه الكميات للشمس لمدة تتراوح بين شهرين إلى أربعة أشهر قبل البدء في عملية التصنيع التي تتم في فصل الصيف.
ويوضح أبو العاجز أن أولى مراحل التصنيع تكون في فصل الصيف وتستمر لمدة ثلاثة أشهر وذلك بعد الانتهاء من عملية تجميع الأحجار، ويبدأ الصنايعي في وضع كمية منها في حفرة مغطاة بتل من الطين ويضع قماشة على أعين البقرة التي يستعين بها في عملية تليين الأحجار لتصبح “طينة” بعد وضع المياه على الأحجار وسير البقرة في الحفرة على الكمية الموضوعة، وقد تستمر في ذلك لمدة خمس ساعات وتمنح أوقات راحة كما يجري تعويضها بالغذاء اللازم نظرًا لإجهادها في هذه العملية من صناعة الفخار.
يلتقط أحمد حسانين، “صاحب ورشة لتصنيع الفخار”، وحاصل على دبلوم تجارة، طرف الحديث مؤكدًا أنه على الرغم من استحداث أنواع مختلفة من الماكينات وطرحها في الأسواق تظل الطريقة البلدية “باستخدام الأبقار” الأفضل للحصول على الطينة المناسبة، على الرغم من أنها مكلفة في تقديم الغذاء وقد تحتاج الورشة الواحدة إلى أكثر من بقرة قبيل الدخول إلى مرحلة التخمير، فضلا عن أن العمر الافتراضي للماكينات قد يعرض الورش لخسارة مادية، وتابع “المكن مش بيتحمل التعب اللي بتتحمله الأبقار”.
ويتابع حسانين، “بعد أن أصبحت الأحجار عجينة سهلة التشكيل يمكن أن يصنع منها القلل والأواني الفخارية المعروفة والتي تحتاجها المطاعم والفنادق إلى جانب الكثير من ربات البيوت”، مشيرًا إلى أن مرحلة التصنيع يجب أن تكون فى أوقات الظهيرة، حتى تتمكن العجينة من الثبات بعد وضع قطع الطين على “الرحاية” وهى عبارة عن قطع كبيرة من الأحجار مثبت عليها خشبة كبيرة، ينزل إليها العجينة ثم تبدأ عملية التشكيل والتصنيع، والتى لا تستغرق 3 دقائق حتى ينتهى “الصنايعى” من صناعة الشكل الذي يريده.
ويضيف “بعد هذه المرحلة يمكن أخذ الأواني إلى مكان مغلق يوجد به فتحات بسيطة تتسلل منها أشعة الشمس، ويمكن بعد ذلك أن تنتقل المهمة إلى الأطفال أو السيدات، حيث توضع كميات من الأواني الفخارية والقلل في أشعة الشمس بعد سحبها، وتتفاوت يومية الصنايعي من 60 جنيهًا وحتى 100 جنيه حسب جودة الإنتاجية والكمية التي ينتجها المعمل”.
وعقب الانتهاء من رفع القلل والأواني الفخارية من الشمس يجري وضعها في فرن عبارة عن حفرة كبيرة، على مسافة 5 أمتار من الأرض ويجري وضع ما يقرب من 700 من الأواني بعد وضعها فى شكل دائرى ويتم تشغيل الفرن وإشعال النيران بواسطة البوص منذ طلوع الشمس حتى صلاة المغرب ثم يتم أخذها مجددًا من الفرن فى اليوم التالى لتصبح جاهزة للبيع ويبدأ نقلها إلى المحافظات المجاورة.
ويعتقد علي الناظر، صاحب فرن لإنتاج الفخار، أن هذه الحرفة في حاجة إلى الكثير من التطوير من حيث التماشي مع النماذج الريفية المختلفة واستخدام الميكنة جنبًا إلى جنب مع المهارة اليدوية للحصول على الكميات المطلوبة إلى جانب التسويق الدولي لها، مضيفًا “أعمل في هذه الحرفة منذ أكثر من 30 عامًا وورثتها أبًا عن جد، ولكن في الوقت ذاته أراها تتراجع بسبب عزوف الناس بشكل عام عنها، رغم أنها موجودة من أيام الفراعنة، وبيّن “إذا كان هناك تسويق جيد لها محليًا ودوليًا ستحظى باهتمام أكبر ويمكنها أن تدر عملة صعبة تستفيد منها البلد، خصوصًا وأن هناك قلل وأواني مختلفة ونعمل على تحويل التراب إلى فلوس لكن يجب أن نحظى بالدعم لأننا القرية الوحيدة التي تصدر منتجاتها لجميع محافظات الصعيد”.
وفي وقت سابق، جرى تخصيص مساحة 100 ألف متر مربع بحاجر طوخ لإنشاء مجمع للحرف الفخارية والخزفية إلى جانب تخصيص مساحة 180 ألف متر مربع بالمنطقة الصحراوية بنقاده لإقامة منطقة للصناعات الحرفية التراثيـــة، وذلك بعد إعادة تأهيل 35 منزل بقرية الطويرات ضمن مشروع إعادة تأهيل منازل القرى الأكثر احتياجا بمحافظة قنا بالتعاون مع صندوق تحيا مصر.