لا يشك أحد في أهمية الدراسة والاستمرار في المنهج الدراسي وعدم غياب الطلاب، لأن الإبداع في العلم والتعلُّم يتأسس على هذه الجوانب المضيئة؛ فالتعليم كما هو معروف يقوم على ثلاث ركائز أساسية هي: المعلم والطالب والمنهج، ومتى ما حدث قصور في أي ركيزة من هذه الركائز فإن ذلك سيُحدث خللًا كبيرًا في سير العملية التعليمية فلا وجود للتعليم دون هذه الركائز، وعلى قدر الخلل فيها يكون الخلل في المخرجات التعليمة، وفي زمننا الحاضر أصبحت ظاهرة الغياب المدرسي من أكثر المشكلات التربوية التي تعيق العملية التعليمية؛ فلا تكاد تخلو منها مدرسة من مدارسنا مهما كان صغرها أو كبرها، ومهما كان عدد طلابها على مدار العام الدراسي سواء كان ذلك الغياب مبررًا أو غير مبرر لا سيما أن الغالبية العظمى من الطلاب أصبحوا لا يدركون أثر غيابهم على تحصيلهم العلمي ومستواهم الدراسي، ولا يبالون بالآثار السلبية لكثرة غيابهم.
وإذا ما نظرنا إلى كيفية تعامل الوزارة مع ظاهرة الغياب المدرسي، سنجد أنها في الغالب ومنذ سنوات طويلة قائمة على النظريات النفسية والسلوكية والدراسات الفلسفية البحتة التي تراعي الجوانب النفسية والتغيرات الفسيولوجية للطالب؛ فتخمض عن هذا كله لوائح السلوك والمواظبة الحالية التي في ظاهرها الشدة والردع، وفي باطنها التراخي والتساهل؛ فتكونت لدى الطالب قناعة تامة بأن هذه اللوائح مجرد حبر على ورق وأنها في النهاية تحصيل حاصل، وظهر لنا ذلك جليًا في الخلل الكبير في انتظام الطلاب خلال دوام شهر رمضان المبارك لهذا العام؛ حيث تمرد الطلاب والطالبات بمباركة من أسرهم على القوانين والتعليمات الوزارية والضرب بها عرض الحائط رغم صدور تعاميم شديدة اللهجة من الوزارة لكافة إدارات التعليم، والتي تنص على الحسم عن كل يوم غياب درجة من درجات المواظبة إلا أن ظاهرة الغياب الجماعي في كافة مدارس المدن والمحافظات، استمرت بشكل ملفت للنظر ولم تشهدها مدارسنا من قبل، وبات الطالب لا يهتم بالتهديد بالحسم من المواظبة أو السلوك؛ لأنها في نظرهم درجات غير مؤثرة وليس لها أي قيمة.
و من خلال التجربة العلمية في حقل التعليم طالبًا ومعلمًا لمدة تجاوزت الثلاثين عامًا منذ أن واكبت الدراسة دخول شهر رمضان المبارك آنذاك؛ حيث كانت الدراسة فيه كأي شهر من شهور السنة الدراسية من حيث التوقيت وانتظام الحصص، وكانت الأمور جدًا عادية والتحصيل الدراسي كان جيدًا جدًا بل ممتازًا لدى الطلاب، والكل يأتي إلى المدرسة بهمة ونشاط وحيوية، إلا أنه ومنذ عادت الدراسة في شهر رمضان الماضي بعد توقف دام نحو أربعة عشر عامًا، بات من الملاحظ كثرة غياب الطلاب ناهيك عن خمول الطلاب الحاضرين جراء السهر الذي يطغى على الكثيرين منهم.
وختام القول.. فإن ظاهرة الغياب المدرسي لها نتائج وخيمة على الطالب والمجتمع، وتكمن خطورتها في أنها تولد التمرد على النظم واللوائح المدرسية، كذلك تساعد على أن يتخرج الطالب فاقد الإحساس بأهمية الحرص على الدوام، ومن ثم ينعكس ذلك سلبًا عندما يتولى مهامه الوظيفية مستقبلًا؛ فالانتظام في الدوام المدرسي يولد الجدية وحب العمل والجلد، والانتماء والولاء الشديد للوطن وللبيئة المحيطة، وإذا ما أردنا أن يكون لدينا تعليم متميز ومخرجاته قوية؛ فإنه يجب على وزارة التعليم إعادة النظر في كل اللوائح السلوكية ومراجعة ما يخص غياب الطلاب منه بصفة خاصة، وربط غياب الطالب بدرجات المادة مباشرة وليس بدرجات المواظبة التي أثبتت فشلها في القضاء على هذه الظاهرة، وإلا تكون المدارس شماعة يعلق عليها هشاشة تلك اللوائح والأنظمة بل الاعتراف بالمشكلة وإيجاد الحلول الجذرية لها؛ فظاهرة الغياب التي تسبق الإجازات والمناسبات الوطنية باتت ثابتة من كل عام مما يستوجب مواجهة هذه الظاهرة بحزم ووضع خطط تربوية عاجلة لتحويل هذه الأيام المهدرة إلى أيام حية ونشطة، بحيث تزيد فيها فرص التعلم، ويتحسن عبرها التحصيل الدراسي.
وخزة قلم:
تساهل بعض أولياء الأمور مع أبنائهم يعد أحد الأسباب الجوهرية لتفشي هذه الظاهرة.