نكمل اليوم الجزء الثاني في حديثنا عن ما ورد في قوله تعالى (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا).
في ناس معاك سواء في عمل أو في دراسة أو في صداقة ما تسمع لهم همسًا، وتحتاج لمكبرات صوت لتسمع ما يقولونه، سبحان الله هدوء في كلماتهم ومخارج حروفهم تطمئن إليهم القلوب إلا أن هذه الهمسات يا سبحان الله في لحظة تتجمع في صف واحد وتلاحم عجيب أمام الأقارب من الدرجة الأولى والخاصين جدًا؛ لتتحوَّل إلى صوت مرعب يقطّع الأذان من شدة زلزلة الصوت، ويصيب الضحايا بالصمم قبل أوانه من قوة الضوضاء التي يسمعها الغريب والبعيد من هولها والصريخ الذي تعدى ضرره أذن الإنسان، ووصل إلى البهائم في بيوتهم، والنباتات اصفرت وطار جمال أخضرها وذبلت حزنًا وقهرًا، كل الكائنات الحية في البيت تكش وتنكمش وتنخش من هول ما سمعوا وما زالوا يسمعون، هذه ليست مُبالغات بل هي حقائق خلاصتها أنهم باردون بلا إحساس وضمير معطل بالمزاج وقناعات معلبة ومبررة لأفعالهم وأقوالهم غير الحسنة، وأن هذا من طبيعتهم وعليكم أنتم التقبل والتكيف والتصبر والتحمل، للأسف والله محزن جدًا هذا الوضع وهذا الحال، هكذا هم مع المقربين من أهاليهم هم الحلقة الأضعف والأسهل، أما مع غيرهم فالوجه الآخر موجود وشخص ثانٍ تمامًا يستمرون في إجادة أدوارهم التمثيلية بجدارة، والتي يحصدون بسببها بشكل مستمر وبلا منافس جوائز الأوسكار الجماهيرية مع زعامة الصدارة، ولو استطاع أحد الأشخاص من غير أقارب الدرجة الأولى أو ليس من ضمن الدائرة الضيقة أن يتمكن من الاقتراب من الدائرة الخاصة؛ لصعق وذهل وتسمّر في مكانه وجحظت عيناه، وربما فكر في نشر أخبار حصرية وأسرار مذكرات لا تصدقها عقول البشر موثقة بالصوت والصورة، تتنافس عليها دور النشر ووكالات الأنباء، وبصراحة أستغرب ولم كل هذا ألا تخشون أن تنشر سجلاتكم في محكمة السماء وأمام الملأ يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولا إشادات الجماهير، ولا تصفيقات المعجبين ولا ابتسامات المقربين منكم الذي يدفعون بابتسامتهم لكم شرًّا قادمًا من قبلكم لا محالة مع العلم أن قلوبهم زائغة من قولكم وفعلكم غير الحسن معهم، وهم شهدوا عليكم كيف أنتم مع غيركم في أفضل حال، ومعهم فقط من حال سيئ إلى أسوأ، ويزداد سوءًا بعد سوء إلى أن يدركوا بعد فوات الآن أن أحبابهم خسروا صحتهم وربما أرواحهم، ورحلوا إلى أسرة المستشفيات فوق الأرض، وبعدها إلى مكان تحت الأرض تاركين لهم الدنيا يلهون ويلعبون ويمرحون مع أصحابهم وأحبابهم وخلانهم الذين في كل يوم تقل أعدادهم مع قلة المصالح وضعف الروابط التي نشأت عليها تلك العلاقات حتى تصل في يوم ما إلى نتيجة واحدة لا صديق بقى ولا حبيب حوى، طارت المصالح فصفرت العلاقات وخابت العبارات، وأدركوا بعد فوات الأوان بقولهم غير الحسن بأن أنفس الأقربين هجرتهم منذ زمن بعيد، وبقت معهم فقط في أجسادها حتى انتهى الأجل فما ينفع ليت وليت وتب إلى الله معاهدًا حياة القول الحسن مع من تعرف، ومن لا تعرف مع القريب والغريب.
يقول وهب بن منبه: «ثلاث من كُنّ فيه أصاب البر: سخاوة النفس، والصبر على الأذى، وطيب الكلام»