المقالات

محمد بن سلمان.. مهندس السياسة الخارجية السعودية

قال صاحبي: يمرُّ العالم بتغيرات كثيرة، تتطلب التعامل معها بطريقين أحدهما يومي وبشكل عاجل، والآخر بشكل استراتيجي، فكيف يمكن النظر للسياسة الخارجية السعودية خلال السنوات الست سنوات الماضية، ما أبرز ما يمكن رصده في استراتيجيتها، وما تطلعاتها؟
المتابع للسياسة السعودية خلال الست سنوات الماضية يلحظ بوضوح التحول الكبير في فلسفة إدارة السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية؛ حيث تعد إعادة «هندسة» محاور السياسة الخارجية السعودية، وأهدافها وأدواتها الاستراتيجية أهم «عناوين» الفترة المنصرمة من عهد الملك سلمان، وبإشراف مباشر من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان؛ فأول ما يلاحظه المراقب هو ديناميكية السياسة الخارجية السعودية ورشاقتها وأخذها زمام المبادرة المبكرة تماشيًا مع المتغيرات الجيوسياسية والجيواستراتيجية، لمواجهة الخطر من خلال التحديد الدقيق لمكامن الخطر ثم مواجهته.
والاستراتيجية الثانية هي استثمار المقومات الوطنية من الثقل السياسي والقوة الاقتصادية، والمكانة الروحية، والعلاقات الخاصة مع زعماء العالم، التي عكستها عدد زيارات قادة دول العالم للرياض، ويأتي على رأسها زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق ترامب للسعودية كأول محطة في زياراته الخارجية، ولهذا معناه وأهميته في ميزان العلاقات الدولية؛ بالإضافة لعقد قمم ثلاث في وقت واحد، حضرها زعماء أكثر من خمسين دولةً؛ بالإضافة لقمم مكة المكرمة، والقمة السعودية الصينية التي عقدت مؤخرًا في الرياض وكان لها انعكاساتها الإيجابية إقليميًا ودوليًا، ثم القمة العربية المرتقبة في الرياض، والتي من المتوقع أن تصبح نقطة تحول في تاريخ القمم العربية، ومستقبل المنطقة، وأخيرًا رعاية ملفات المصالحة وعودة سوريا لحاضنتها العربية، وقيادة الملف اليمني لبر المصالحة والسلام.
ولأن سمو ولي العهد هو عراب رؤية السعودية 2030 التي تسعى في جزء منها لتنويع سلتها الاقتصادية فمن المهم الإشارة إلى بُعد آخر في هذه الرؤية رسمه الأمير محمد بن سلمان وهو تنويع سلة المملكة السياسية، وهذا يتضح بجلاء من نتائج الأداء السياسي والدبلوماسي الجديد للسياسة الخارجية السعودية، وفي مقدمتها توسيع نطاق العلاقات الدولية للمملكة، وتنويع علاقاتها الاقتصادية؛ إضافة إلى تنويع مصادر السلاح، وتنويع مصادر القوة العسكرية السعودية؛ بحيث لا تقتصر على مصدر واحد، وهذا جوهر الاستراتيجية السعودية الجديدة.

زيارات سمو ولي العهد الخليجية والإقليمية والدولية كان لها أثرها في إعادة توجيه البوصلة الاقليمية نحو التعاون الإيجابي بين أطرافه، والعمل على فتح صفحة جديدة تتسق مع المتغيرات الدولية، ومن عواصم القرار العالمي تم التوقيع على اتفاقيات أمنية وسياسية واقتصادية ساهمت في تمتين العلاقة السعودية بالدول الكبرى وتأسيس مرحلة جديدة من العلاقة بين الطرفين، وهو ما عبر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمره الصحفي عقب مباحثاته مع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حينما قال: “جزء كبير من مستقبل المنطقة يُرسم في السعودية والحوار معها ضروري لما لها من ثقل سياسي واقتصادي وثقافي في المنطقة”.
ولأن السعودية هي ضابط إيقاع أسعار الطاقة؛ فقد أضحت السياسة النفطية السعودية هي القوة الضامنة لاستدامة الإمدادات النفطية من خلال بناء الجسور المتينة بين الدول المنتجة، إذ ساهمت السياسة النفطية السعودية بالمحافظة على هذه السلعة الحيوية من الإغراق، وتجنيبها الصراعات بين الدول الكبرى على وجه الخصوص، كما ساهمت هذه السياسة النفطية التي انتهجتها السعودية بدعم الاقتصاد العالمي والمحافظة عليه من الدخول في دوائر سالبة تنعكس على الجميع بالضرر، خصوصًا وأن الاقتصاد العالمي ليس بأفضل حالاته بعد جائحة كورونا.
وأخيرًا؛ المتتبع للقاءات سمو ولي العهد وتصريحاته الإعلامية، يجدها تتميز بالعمق، والشمولية، والشفافية، ووضوح الرؤية والاعتماد على لغة الأرقام، والبعد عن التنظير، مما أكسبها ثقة المتلقي، وحرص وسائل الإعلام المختلفة على التقاط مضامينها المتنوعة، وصياغة عناوينها العريضة التي تهم الداخل والخارج، ووضعت الأمور في نصابها، وقضت على الشائعات في مهدها، فمضامين الخطاب السياسي للأمير محمد بن سلمان تحمل رسائل واضحة يفهمها السياسي، والاقتصادي، ويلتقطها الإعلامي، من قائد المرحلة، الذي يتمتع بواقعية ومصداقية وجرأة على فتح الملفات الشائكة ووضع النقاط على الحروف، دون مواربة، هدفه الإصلاح، ورؤية منطقته واحة أمن واستقرار، ومركزًا للمعرفة والصناعة والاقتصاد العالمي.

قلت لصاحبي:
بحكم تخصصي في الإعلام السياسي وقيامي مؤخرًا بعمل دراسة عن الخطاب الرسمي السعودي لوسائل الإعلام العربية والعالمية، توصلت الدراسة إلى أن الخطاب الرسمي السعودي في أزمنة مضت، كان يعتمد أثناء الأزمة على اللغة الاعتذارية والتبريرية وصياغتها في قوالب إنشائية، غير أن هذا الوضع تغير إلى نوعية إعلام يواكب التطورات التي شهدتها السياسة السعودية الخارجية، وهو ما يمكن رصده في جميع لقاءت سمو الأمير محمد بن سلمان مع وسائل الإعلام المحلية والعالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى