في هذا اليوم الخامس والعشرين من شهر رمضان المبارك لعام أربعمائة وألف وأربعة وأربعين من الهجرة النبوية الشريفة، توفي إلى رحمة الله العالم الفقيه المؤرخ الجهبذ عبدالوهاب أبو سليمان رحمه الله رحمة واسعة.
وقد عاش خفيفا في حياته ثقيلا في علمه وإنجازاته، ورعا في خطاه، مدرسة في توجهاته وآثاره. تتلمذ على يديه العديد من الطلاب من كافة أرجاء المعمورة، ممن بلغوا أعلى السلالم والمراتب الدينية والدنيوية. ومن علمه وكمال مكانته ومرتبته بين العلماء اختاره ملوك هذا البلد، رحم الله من انتقل إلى رحمته، وحفظ الله الملك سلمان وولي عهده الأمين، وبلغ الفقيد أعلى المراتب الشرعية حيث عين (عضوًا في هيئة كبار العلماء) وقبلها كان أول عميد لكلية الشريعة في مكة المكرمة، فهو صاحب فكر نير وباع طويل وعميق يتعدى مجال تخصصه إلى مجالات أرحب وأعمق في شؤون الحياة ومستجداتها، يأسر من يعرفه ويتلقى العلم على يديه، فقد سبر أغوار المصطلحات الصعبة في تراث الإسلام وعلوم الشريعة ونحت من صخر وغرف من بحر في الفقه والأصول والبحث والتراث والتحقيق والأدب والتاريخ.
وقد استُقطب في أعظم الجامعات، في الداخل في جامعة الملك عبدالعزيز وأم القرى في مكة، وفي الخارج مثل الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وجامعة هارفارد العالمية المعروفة في الاستشارات والمحاضرات العلمية، ومن أبسط ما يقال عنه لمن عرفه وتعامل معه وتعلم منه وكان لي الشرف أن اكون أحدهم أنه قدوة في خلقه وسلوكه، وكان متواضعا في تعامله وعطائه، وفيا في الولاء لدينه ومليكه وأساتذته، بارا وعاشقا لمكان نشأته وموطن ولادته ويا لها من مدينة مكة المكرمة البلد الذي ولد فيه رسول الهدى والبشرية محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
وما جائزة الملك فيصل العالمية التي نالها إلا تتويج لعطاء علمي يمثل مكانة العالم الفقيه الأديب الأريب المربي والمؤرخ عبدالوهاب أبو سليمان، والذي قلما يجود الزمان بمثله وهذا غيض من فيض مما يستحق أن يذكر به معالي أستاذنا الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان، ولعل الله يكتب لي ولغيري الوقت لاستيفاء الكتابة عن بعض الذكريات والدروس التي تعلمناها من فضيلته رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
0