المقالات

إضاءات في رحاب البيت العتيق

قضيت عددًا من الأيام في مكة بجوار الكعبة في العشر الأواخر من ليالي رمضان المباركة، وكانت إطلالة غرفتي على الكعبة في منظر تتوق إليه كل القلوب المؤمنة والأفئدة العطشى إلى مغفرة من رب كريم وحليم.
وكان أكثر ما جعلني أشعر بالحرج والتقصير هو جموع الطائفين، وأنا أشاهدهم في عز الظهيرة يطوفون حول الكعبة وهم صائمين لا يشعرون بالحر ولا بالشمس ولا التعب الشديد، ويرجون الأجر من رب العالمين وأقول في نفسي، لله درّه من قلب مؤمن قوي يدفعهم لتحمل كل هذه المشاق لطواف من الممكن تأجيله إلى المساء ها أنا ذا جالس في غرفتي المكيفة أنظر إليهم، ولا أقوى أن أفعل مثلهم لكني أغبطهم على إيمانهم وقوة صبرهم.
ثم ينتابني شعور آخر يخفف عني، وأقول في نفسي وما يدريك أن الطواف في هذه الأوقات مشقة عظيمة، وقد يكون الطواف في وقت آخر من النهار فيه نفس الأجر؛ فالله رحيم بعباده الصالحين.
وأنا أتأمل هذه الأعداد الكبيرة التي تتوافد على الحرم، استوقفتني الجهود الكبيرة التي تقدمها الدولة رعاها الله لخدمة المعتمرين والمصلين في أطهر بقاع الأرض،
لكني اليوم أريد أن أكتب عن رجال الأمن الذين شاهدتهم بعيني يعلمون ليلًا ونهارًا؛ لتنظيم الدخول والخروج لهذه الأعداد والجموع الغفيرة التي تعددت ثقافتها ولغاتها وأعمارها وظروفها الصحية، هؤلاء الرجال الذين يعملون بحُب وصبر كبير وحرص شديد على تقديم كل ما يستطيعون لتسهيل الوصول للحرم رغم الزحام الشديد الذي قد يفقدك صبرك أحيانًا لكنهم مدربون تمامًا على حسن التعامل مع كل ضغوطات العمل بصبر وهدوء وحسن مبادرة، ومساعدة لكل سائل ومستفسر وضائع ومريض دون كلل أو ملل.
إن الوقوف في ساحات الحرم لتنظيم الصفوف والحشود ليس أمرًا سهلًا ولا يسيرًا، ويتطلب الكثير من الحكمة والحزم وهو ما يفعله هؤلاء الجنود بكل اقتدار راجين من الله الأجر والثواب.
الحمد لله نحن في هذه الدولة العظيمة التي لم نبخل بشيء لتجعل هذه الرحلة الإيمانية في أبهى صورها وأجمل لحظاتها فكل ما يحتاجه قاصدو الحرم موجود ومتوفر، إنه والله خير كبير لا تملك إلا أن تشكر الله عليه وتحمده على هذه النعم العظيمة التي تغطينا من كل حدب وصوب في أمن وسكينة من رب العالمين.
وقد استرعى انتباهي أيضًا أبناء وبنات السعودية العاملين في الفنادق المجاورة للحرم وقدرتهم على تقديم مستوى من الضيافة والخدمات الفندقية التي تشعرنا بالفخر والاعتزاز.
الموقف الأول مع شاب سعودي اسمه عبدالله الحربي كان يعمل مديرًا مناوبًا في الفندق الذي شاء حظي أن أسكن فيه، كان حريصًا جدًا على الاستماع لأي ملاحظة ومعالجتها في وقتها، ولديه قدرة فائقة على إرضاء العملاء حتى وهم يطلبون أكثر من استحقاقهم.
لم يجعلني أندم أبدًا في اختياري للسكن في هذا الفندق الراقي خدمة وموظفين، وقد كانت هناك أيضًا إحدى بنات الوطن واسمها (وجدان العتيبي)، وتعمل في قسم علاقات الضيوف في فندق جميل مطل على الحرم، أبهرني أداؤها ومهنيتها العالية وقدرتها على التعامل مع طلبات الضيوف واختلاف لغاتهم وثقافاتهم، وكانت لغتها الإنجليزية أكثر من رائعة، وسألتها يا بنتي أداؤك لافت للنظر هل حصلتِ على تدريب متخصص لتعملي في هذا القطاع الحيوي والهام؟؟ فقالت نعم وزارة السياحة نظمت لنا برنامجًا تدريبيًا مجانيًا هذا الصيف في أهم المراكز والجامعات المتخصصة حول العالم وأنا إحدى الخريجات، وقد كان نصيبي أن تدربت في إسبانيا، واستفدت الكثير من هذا البرنامج أنا والمئات من أبناء وبنات الوطن الذين تم تدريبهم في عدد من الدول الأوروبية المشهورة بريادتهم في قطاع السياحة، ولديهم جامعات مشهود لها بتدريس الفندقة والسياحة، وقفت هنا متأملًا وعرفت حقًا بأن رؤية 2030 لم تكن شعارًا يردد في كل المحافل وليس رؤية يراها النائم ليستيقظ على واقع مختلف، بل كانت واقعًا كل من رآه ظن أنه يحلم!
وما هذا التخطيط المدروس الذي تنتهجه وزارة السياحة إلا جزءًا لا يتجزأ منها قد بدأ يجني ثماره خير ضيوف لنا كمواطنين وكسعوديين وهم ضيوف بيت الله وضيوف السعودية، لذا تذكر دائمًا أن ترفع رأسك كلما قلت أنا سعودي.
كم نحن فخورين بك يا بلادي بلاد المسلمين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى