المقالات

لطائف رمضانية (4- 4)

 “أية معجزة إصلاحية أعجب من هذه المعجزة الإسلامية التي تقضي أن يحذف من الإنسانية كلها تاريخ البطن ثلاثين يوماً في كل سنة ليحل في محله تاريخ النفس”.. هكذا كان يرى أديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي شهر رمضان المبارك، والذي بات على مرمى حجر من الوداع كان فيها ضيفاً عزيزاً وخفيفاً على النفس التي تتوق إليه قبل أن يغادر ولسان حالها يطالبه بألا يرحل.
وقد زخر تاريخ الشعر قديماً وحديثاً بالعديد من القصائد التي تودع شهر رمضان باللوعة والحزن حيث يصور الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل شهر رمضان كضيف عزيز حل وارتحل، فيقول: (أضيف أنت حل على الأنام/ وأقسم أن يحيا بالصـيام.. قطعت الدهر جوابا وفيا/ يعود مزاره في كل عام.. تخيم لا يحد حماك ركن/ فكل الأرض مهد للخيام).
فيما يقول الشاعر اللواح (سالم بن غسان علي اللواح الخروصي): (وداعاً أيها الشهر الوداعا/ فقد أزف الرحيل وقد تداعى.. وقد راع الفراق قلوب قوم/ وكم حب علي فقد أراعا).
أما الشاعر الأندلسي ابن الجنان، فيقول: (مضى رمضانٌ أو كأني به مضى/ وغاب سناه بعد ما كان أو مضا.. ألمّ بنا كالطيف في الصيف زائراً/ فخيم فينا ساعة ثم قوضا).
وفي ديوانه “قلب ورب”، يودع الشاعر السوري عمر بهاء الدين الأميري الشهر الفضيل بقوله: (قالوا: سيتعبك الصيام/ وأنت في السبعين مضنى.. فأجبت: بل سيشد من/ عزمي ويحبو القلب أمنا.. ذكراً وصبراً وامتثالا/ للذي أغنى وأقنى.. ويمدني روحاً وجسما/ بالقوى معنى ومبنى.. رمضان عافية فصمه/ تُقى، لتحيا مطمئنا).
بينما يرثي الشاعر تميم الفاطمي رمضان قبيل رحليه قائلاً: (ما تقاضت منا ليالي الزمان/ ما تقاضى شوال من رمضان.. ما ترى بدره علاه سقام/ كسقام المحب في الهجران.. كسفت نوره مخافة شوال/ كسوف الصيام للألوان)
ومن جانبه ، يرثي الشاعر الغشري (سعيد بن محمد بن راشد الخليلي الخروصي) رحيل رمضان ويصبر نفسه بالقول: (خير الوداع لشهرنا رمضان/ هل بعد بينك كان من سلوان.. خير الوداع عليك يا شهر الهدى/ لم يبق من ذنب ولا عصيان.. فعلى فراق سال دمع عيوننا/ فوق الخدود كهاطل هتان.. فهو المفصل والمعظم قدره/ خير الشهور وسيد الأزمان).
ونختم بقول الشاعر عبد العزيز الدريني مودعاً رمضان: (أَيُّ  شَهْرٍ قَدْ تَوَلَّى/ يَا عِبَادَ اللَّهِ عَنَّا.. حُقَّ أَنْ نَبْكِي عَلَيْهِ/ بِدِمَاءٍ لَوْعَقَلْنَا.. كَيْفَ لا نَبْكِي لِشَهْرٍ/ مَرَّ بِالغَفْلَةِ عَنَّا.. ثُمَّ لا نَعْلَمُ أَنَّا/ قَدْ طُرِدْنَا أَوْ قُبِلْنَا.. كَانَ هَذَا الشَّهْرُ نُورًا/ بَيْنَنَا يَزْهُو وَحُسْنَا.. فَاجْعَلِ اللَّهُمَّ عُقْبَا/ هُ لَنَا نُورًا وَحُسْنَا).
…………………………
* صحفي وكاتب مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى