(قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ)، يوسف الآية 47.
هذه القاعدة (اليوسفية) الاقتصادية القائمة على توظيف زمن الرخاء؛ لضمان الاستمرار في زمن الشدة هي قاعدةٌ أصيلة تنتظم مناشط الحياة كلها.
بين أيدينا ثلاث حقائق تجعل من استحضار هذه القاعدة ضرورةَ وجود وبقاء لنا أبناء المملكة العربية السعودية:
أولها: تزايد التكلفة المعيشية من وقت لآخر بسبب الكوارث والأزمات العالمية.
وثانيها: تزايد أعداد السكان في المملكة واحتياجاتهم من خدمات طبية وتعليمية، وخلق وظائف للشباب وغيرها.
وثالثها: تزاحم المشاريع التنموية المتعددة في كل مناطق المملكة.
كل هذه الحقائق الثلاث تجعل من (الدَّلال) التمويلي الذي تحظى به المؤسسات الخدمية في المملكة عُرضة للخطر!
فالدولة -أيدها الله-ما بخلت ولن تبخل ولكنّ لكل قدرةٍ حدودًا، ومسؤولية الدولة عن كل قطاعات التنمية في المملكة واحدة، ولا بد لها من الموازنة.
إضافة إلى أن الدورات الاقتصادية لا تخلو من مراحل ركود قد تضطر عندها الدولة إلى خطط تقشفية تجيء على حساب كثير من أحلام المستقبل.
والأهم أن السباق المعرفي والتعليمي، والذي هو أساس تقدم الدول ورقيها قد تتجاوز تكاليفه كل ما ترصده الدولة رغم وفرته وسخائه!
والمملكة ولله الحمد أكرمها الله بثروات من النفط والغاز؛ فهي أكبر مصدر له في عالم اليوم، وهي واحدة من بين أكبر عشرين اقتصادًا في العالم!
ويعتبر النفط مصدرها الوحيد للدخل؛ ويجب أن ندرك أن هذه الثروة التي يتم استخراجها من باطن الأرض لها عمر محدود، وبالتأكيد سوف نستيقظ ذات صباح وليس لدينا نفط.
قبل سنوات حذر تقرير صادر عن المجلس البريطاني لأبحاث الطاقة من بلوغ الإنتاج التقليدي للنفط أعلى مستوي له، وبدا انخفاضه بحلول عام 2030م. وكتب الاقتصادي الشهير-توماس سيمنز-يؤكد أن آبار النفط في دول الخليج العربية قد بلغت ذروت إنتاجها، وفي طريقها إلى النضوب. فكان لا بد من وضع خطة استراتيجية للمملكة لما بعد عصر النفط.
فجاءت رؤية ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان-يحفظه الله- والتي في مضمونها إيجاد مصادر دخل بديلة عن النفط والغاز، لأن النفط سلعة ناضبة بالضرورة؛ وفي المقابل حثت رؤيته -يحفظه الله- بالاعتماد على ما يعطيه عقل الإنسان السعودي من إبداعات، فالحكمة تقول: “العقل يعطي بلا حدود، وعطاء الأرض محدود”.
لقد وفق الله ولي العهد حين ركز في رؤيته على الإنسان والمكان والإمكان في آنٍ واحدٍ؛ فقد استحضر عمقُ الإنسان السعودي إسلاميًا وعربيًا وحضاريًا، وجعل له دورًا فاعلًا في هذه الرؤية، بل صرح بأن من سيقف ضد هذه الرؤية الطموحة فسوف (يصطدم مع الشعب)؛ لأنه مؤمن بإنسان هذا الوطن فاعلية وقدرة وانتماء.
لقد ميَّز رؤية المملكة طموح وثاب، جعل ولي العهد يقول: “إننا لن نحصر أنفسنا في مشكلات من نحو: السكن والبطالة! طموحنا سيبتلع كل هذه المشكلات الصغيرة”.
نحن إذًا أمام رؤيةٍ جمعت بين الشمول والطموح، وزاوجت بين الواقعيةِ والجرأةِ، ولذلك حُقَ لنا أن نفخر بها، ونلتف حولها، ونعمل لأجلها.
0