في كل عيد تعود بي الذاكرة لمصلى العيد في قرية العلي بمحافظة ميسان بني الحارث وعمري آنذاك عشر سنين .. كان المصلى مليئًا بالمصلين الذين أتوا من القرية والقرى المجاورة لها .. لا أبالغ إذا قلت إن الابتسامة أراها في وجوه الجميع فرحًا بالعيد .. ولا أنسى دموع الشيخ عطية بن ساطي الحارثي -حفظه الله- وهو يلقي خطبة العيد تلك الخطبة المؤثرة التي لم أستطع نسيانها؛ لأنها خرجت من القلب فوقعت في القلب ..؛ تلك الدموع كلما تذكرتها تضيف لي معنى جديدًا؛ أظنها دموع الفرح بإتمام صوم رمضان؛ وكأن لسان حال الشيخ يقول: الحمدلله بأن أنعم الله علينا بصيام رمضان وقيامه، ونحن في صحة وأمن وأمان ونعم متعددة، وغيرنا محروم من هذه النعم..أظنها دموع الباكي من خشية الله والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال في الحديث الصحيح :(لا يَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه). أظن الشيخ عطية-حفظه الله – يبكي فرحًا بالعيد وما فيه من القيم والشيم التي كان أهل القرية متمسكين بها؛ فمن الأعراف في العيد عندهم “عيب وأكبر عيب أن يجتمعوا وبينهم متخاصمون أو متشاحنون؛ لذلك لا يتم عيدهم إلا بعد أن يصلحوا بين المتشاحنين؛ لأنهم يعلمون أن الصلح خير، وأن إصلاح ذات البين كما جاء في الحديث هي أفضل من جميع النوافل من صلاة وصيام وصدقة، وأن فساد ذات البين هي الحالقة التي تحلق الدين كما يحلق الموس الشعر “…؛ ما أجمل عيد القرية وما أعظم عيد المسلمين؛ ففيه من المعاني السامية النبيلة والثمار المسعدة الجميلة مالا يوجد في غيره؛ لأن عيدنا عبادة من العبادات العظيمة ومدرسة تربوية كسائر المدارس العظيمة التي تعلمناها من خير خلق الله محمد بن عبد الله -صلّى الله عليه وسّلّم- نتعلم في هذه المدرسة حقوق الله وحقوق الوالدين، والجار والمساكين والناس أجمعين. تتجدد في عيدنا الروابط الاجتماعية المستمرة طوال العام، وتبلغ القمة في الصلة بين الأرحام، والأقارب والزيارات بين الجيران، وتبادل الهدايا، وتفريح الأطفال بشتى أنواع الألعاب النظيفة..كل ذلك في جو مليء بالحب والعدل والوفاء والكرم من غير إسراف ولا مخيلة ..
عــيدنا عيد رحمة، وصدقة، وبر، وصلة للأرحام ، وتعاون. تظهر فيه أمة الجسد الواحد متوادة متراحمة متعاطفة؛ فتتجلى هذه المعاني والصفات الدائمة بين الصغير والكبير، والفقير والغــني، والأبيض والأسود والأحمر لا فرق بينهم إلا بالتقوى..
عـــيدنا عــــيد مرح معتل يحمل بين طياته كل معاني الرحمة والإيثار.. افرحوا في عيدكم (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).
0