يظلُّ الإنسان حبيس الصورة الذهنية التي تكوَّنت عن ذاته؛ نتيجة مروره بالعديد من الخبرات والتجارب في حياته حتى هذه اللحظة.
فبين الخوف والرجاء، والغنى والفقر والشجاعة، والجُبن وبين الفضيلة والرذيلة تتأرجح حياة الإنسان إما لأقصى اليمين أو لأقصى اليسار تتنازعه تلك القوى؛ ليصل لمرحلة الاستقرار والسكون في الجانب الذي يجد نفسه فيه وتسكن إليه ذاته.
فالفضيلة أمر محبب للنفس البشرية وتعشقه، وتحاول جاهدة أن تسعى إليه وتحققه بكل ما أوتيت من قوة، والهروب من مناطق الفشل أو الرذيلة نحو المناطق الآمنة التي يجد الإنسان نفسه فيها، ويحقق ذاته وإنجازاته التي يسعى إليها بدون كلل أوملل.
فانطلاقة الإنسان الحقيقية نحو الإبداع والتميز بالرغم من المعاناة التي تواجهه ليصل إلى مستوى التفوق والإنجاز، وتنساق معه النفس البشرية في كل ما يريده ممسكًا بزمام نفسه، وتعينه على الخير وصناعته والخروج من منطقة الراحة التي جُبلت عليها النفس، وأمَنتْ بها واستكانت إليها فابتعدت عن الهدف الحقيقي للإنسان نحو المحاولة والخطأ؛ ليخرج إلى الجانب الذي يميزه ويستطيع أن يبدع فيه، ويعزز نقاط قوته التي تساعده وتعينه على الإنجاز، وأن يبرز في المجال الذي يجد نفسه فيه من تميز وتفوق في جميع جوانب حياته المختلفة، وتعزز قيم الفضيلة وتأصيلها في نفسه كسلوك يمارسه في حياته ويبدع فيه.
فنوازع الخير التي أودعها الله سبحانه وتعالى في النفس البشرية ومكنوناتها، وبذل الجهد في تأصيلها، والمساهمة في الخير وصناعته من خلال كلمة الحق والتوجيه والمشاورة، وتنميتها وفق منهج الله تعالى ويحققه ليكون لبنة صالحة في المجتمع.
إن حياة الإنسان وتحقيق الفضيلة والإنجازات تتطلب توفيق الله سبحانه وتعالى الذي خلق النفس البشرية، وأودع فيها كوامن الخير، واستشعر الإنسان بقيمته ودوره في الحياة التي من أجلها خُلق وتحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى وفق منهج الله، واكتشاف نقاط القوة وتعزيزها والتدريب على تلك الجوانب ووضع الرؤية والأهداف ورسالة الإنسان التي يسعى لتحقيقها وخدمة مجتمعه والإسهام في تنميته، وأن يكون لبنة صالحة وعضوًا متميزًا بإنجازاته وأهدافه في الحياة.
كم من إنسان حاول الخروج من منطقة الراحة، ووجد صورًا ذهنية مكبلة لقواه لايستطيع أن يفك أسره منها، وهي قد لا تمثل في الواقع حقيقة كاملة، إنما هي صورة لا تمت للواقع بصلة، فالإنسان يحتاج الاستعانة بالله والخروج من تلك المنطقة، وأن لا يعجز فهو يُمثل الوهن الذي يكبل الإنسان في حقيقته، ويوهن عزمه عن بلوغ المرام.
0