كنت قد تحدثت في مقال سابق بعنوان: “وسائل الإعلام بين الماضي والحاضر” عن أهمية معرفة وسائل الإعلام التقليدية لدورها الأساسي الذي تقوم عليه، وهو تثقيف الشعوب بمُختلف أنواع العلوم في شتى بقاع الأرض، فالوسائل الإعلامية تُعتبر الجهاز العصبي للعملية التنموية والركيزة الأساسية لبناء وتطوير المجتمع؛ حيث تشكل محورًا رئيسيًا أساسيًا في تنمية الوعي لدى الأفراد، وتثقيفهم تجاه القضايا المحلية والعالمية من خلال تغذية المجتمع بالمعلومات والحقائق وآخر المستجدات العالمية، ويكون ذلك من اختيار الموضوع أو القضية وفق ما يتناسب مع منظومة القيم والأعراف المجتمعية دون أن يُخل بها، بالإضافة إلى انتقاء الشخصيات المتخصصة والمناسبة وفق معايير ثقافية اجتماعية أدبية عالية تتوفر بهم؛ ليضمنوا بذلك الاستفادة القصوى من خلال حديث وتعليق هذه الشخصيات الاعتبارية الثقافية والأدبية المتخصصة حول الموضوع المطروح وما بين المنطق والواقع فروقات كبيرة واضحة وجمة، فالمنطق هو ما كان عليه الإعلام سابقًا، والواقع هو ما نلمسه ونشاهده في أغلب البرامج الحوارية والتي تركز على معايير مختلفة تمامًا عن المعايير السابقة، والتي تتعلق بنسبة المشاهدة غير مُبالية تمامًا إذا كان هذا المحتوى يُقدم الفائدة للمتابع من عدمها، وعلى سبيل التوضيح من خلال متابعتي لبعض البرامج الحوارية الرمضانية على الوسائل التقليدية، وجدت بأن غالبية الضيوف المُختارين هم فقراء معلوماتيًا وأدبيًا وعلميًا، والمفاجأة تكمن في الساعات التي يحاورونهم فيها وكأنهم علماء أو أدباء قد حصلوا على جوائز عالمية أو حتى محلية، وهم للأسف الشديد تاريخهم لا يتعدى عن مفردتين هما (كبسوا الشاشة كبسوا الشاشة، شباب ضيفوا الداعمين)، والأدهى والأمر من ذلك هو التحول الكبير والمرير لنهج أحد الإعلاميين البارزين والمميزين من تقديم البرامج التي كان يتابعها القاص والداني للموضوعية والمهنية العالية التي كان ينتهجها، إلى انتهاج نهجهم المزعج والمؤسف واستقبال هذه الشخصيات الهشة ثقافيًا والفقيرة معلوماتيًا، ومحاورتهم وجّل أسئلته للضيوف المُختارين كانت تتمحور حول:
– كم هو رصيدكم البنكي؟
– كم أجرك في الإعلان الواحد؟
وكأنه ترويج وتسويق للفلسفة المتداولة “كن تافهًا سطحيًا لتصبح ثريًا”، إلى الأجيال الشابة قليلة الخبرة والتجربة، الأمر الذي قد يجعل الكثير منهم ينتهج نهجهم، ويتخذ هذه القاعدة وهذه الفلسفة شعارًا وهدفًا يسعى إليه، وبذلك يتحول بعض أفراد المجتمع من أشخاص غيورين على مجتمعهم مراقبين وراصدين للأخطاء التي قد تحصل من بعضهم ويقومون بكل السبل الممكنة من رفع بلاغات عبر التطبيقات المخصصة لذلك أو رفع هاشتاقات مطالبةً بإيقاف المخالفين منهم، إلى أشخاص مُقلدين لهم ينتهجون نهجهم ويحذون حذوهم لأنهم أصبحوا بمثابة القدوة لهم، وبذلك يكون قد ساهمنا في صنع المزيد منهم بدلًا من الحد أو القضاء على هذه العينات المضرة بمجتمعنا الناضج والمتعلم والمثقف؛ لذا يجب أن تُدرك وسائل الإعلام مدى الخطر والضرر المجتمعي الناجم من رعاية واحتواء هذه الشخصيات وتهميش من يستحقون الظهور بها.
– محاضر بجامعة أم القرى
للأسف واقع يزعل بالإعلام والعلم ترتقي الأمم
شكرا على هذا الطرح الجميل دكتور