هو أسلوب تنظيمي عقيم وفكر إداري سقيم لا يمت للمهنية ولا لأخلاقيات العمل بصلة، بل وليس له علاقة بالأخلاقيات الإنسانية لا من قريب أو بعيد. لا يتبنى هذا الأسلوب إلا مدير نرجسي فاشل يتصف بالتعالي والغطرسة لكي يُداري تدني قدراته الإدارية والفنية؛ ويتوهم أنه أكفأ من الجميع، فيستمتع بإصدار الأوامر الغريبة والتعليمات العجيبة دون مراعاة لخبرات وقدرات وكفاءة الآخرين، ناهيك أن يراعي مشاعر لأحد من الناس. ثم لا يتردد في توبيخ ولوم الآخرين على أي خطأ يحدث حتى وإن يكن هو نفسه مصدر ذلك الخطأ.
يتميز صاحب هذا الفكر بالاستهتار بالأنظمة واللوائح والقيم التنظيمية والمجتمعية مع إساءة استخدام السلطة كما يوغل في استخدام المحسوبية، وربما مارس الابتزاز والتنمر، وأما تبني سياسة التهميش والتطفيش فحدث ولا حرج، كما أنه لا يتورع عن ممارسة الكثير من السلوكيات غير الأخلاقية في سبيل تحقيق مصالحه الشخصية؛ ولضمان النجاح في بناء هذه البيئة السامة فإن المدير الفاشل غالبًا ما يقرب حوله ضعاف الشخصية ومحدودي القدرات من مساعدين ومديري إدارات ومستشارين؛ لأنه يجد فيهم سهولة تقبل التوجيهات والتعليمات والسرعة في تنفيذها دون أي اعتراض أو حتى مجرد إبداء رأي، وفي نفس الوقت يبعد أصحاب المهارة والكفاءة والصادقين في آرائهم حتى لا يثيروا عليه المشكلات أو يعيقوه عن تحقيق أهدافه الخاصة. وحتى وإن وُجِد حوله قلة من أصحاب الكفاءة فهو لم يقربهم منه إلا بعد أن تأكد من إعلانهم الولاء والطاعة لإدارته؛ فهم يعملون من مبدأ: السوق عاوز كده!!
والمؤسف أن بعضًا من تلك العينة التي يقربها المدير حوله يجمع بين ضعف القدرات والفساد وسلاطة اللسان وقُبح المنطق؛ ولكن المدير يتخذهم درعًا أمامه ليمرر عن طريقهم عجائب المبادرات وغرائب القرارات؛ فلا تستغرب أن يتولى منهم فاشل أو فاشلة!! تحديد مصير موظف أو إنهاء تكليف شخص من منصبه بصورة استفزازية دون أية مبرر سوى تخوفه من أن ذلك الشخص يهدد مصالحه، ولو ذهب الشخص المتضرر إلى مدير المؤسسة ليستفسر عن أسباب إنهاء تكليفه قبل نهاية مدته النظامية؛ لتحجج عبقري زمانه بأنه فوض كامل الصلاحيات لمساعديه وأنه لا يحب أن يناقشهم في قراراتهم، (أمحق تفويض!!).
وفي ظل الأوضاع المتردية فإن منسوبي المؤسسة ينقسمون إلى أربع مجموعات على النحو التالي:
مجموعة “المتملقون” وهم المطبلون والمطبلات!! الذين وجدوا بيئة خصبة ومناسبة لظهورهم وتناميهم في سباق مع التملق والتغنج! بهدف التسلق، مع استعدادهم التام لتقديم كافة أنواع التنازلات حتى آخر ذرة كرامة لديهم، وهو الأمر الذي تتضخم معه ذات المدير النرجسي يومًا بعد يوم؛ ليصبح مديرًا ديكتاتوريًا يمارس شتى أصناف الإرهاب الإداري، وتعتبر هذه المجموعة المصدر الأكبر بل وربما الأوحد الذي يختار منه المدير مساعديه وحاشيته ويعتمد عليهم في تحقيق مصالحه الخاصة.
مجموعة “الجبناء الصامتون”: وهم الذين لا يملكون قرارهم بأيديهم، ولا يجرؤون على البوح بما في نفوسهم. الحقيقة أنهم حتى وإن كانوا بشرًا في هيئاتهم إلا أنهم في الواقع أقرب إلى سلوك النعاج! تأكل مما حولها فقط من العشب حتى لو كان جافًا ومصفرًا، ولأنها لا تجرؤ على رفع رأسها فهي لا ترى بقية المرعى، حتى لو كان أخضر ترتع فيه الأبقار. لديهم خوف عجيب ورعب من المستقبل، ويعتقدون أن المدير الفاشل سيقضي عمر نوح في الادارة؛ لذا قرروا التزام الصمت والمشي جنب الحيط عملًا بمقولة «من خاف سلم»، وانكفأ كل منهم على مكتبه ينتظر الراتب آخر الشهر؛ ليتولى النفقة على أسرته وليصبح شعاره (تموت الضمائر في البطون الجائعة!). والشيء المحزن أن جزءًا منهم يتحول مع مرور الوقت إلى مجموعة (التملق)، والقلة منهم من تغادر المؤسسة، وذلك بسبب ضعف قدراتهم وقلة خبراتهم.
مجموعة “المهاجرون”: الذين قرروا الرحيل بعد أن تيقنوا بأن المؤسسة ماتت سريريًا (الموت الإكلينيكي) وأن إعلان الوفاة بات وشيكًا في أي لحظة لمجرد فصل أجهزة التنفس الصناعي عنها. أغلب هؤلاء المغادرين هم كفاءات تتسابق المؤسسات الناحجة على استقطابهم بل وتعتبرهم كنزًا من الخبرات المتراكمة التي تكونت عبر عقود من الزمن، أما المدير الأهوج؛ فإنه يرى في رحيلهم نجاحه في تنفيذ خطة ترشيد الإنفاق!! (أمحق ترشيد).
مجموعة “الحريصون أو الناصحون”: الذين يتحسرون على ماضي المؤسسة المشرق وريادتها وسمعتها، ويتألمون لحاضرها المخزي ولكنهم يتأملون في عودتها إلى صف الريادة ويحاولون إسداء النصح كلما سنحت لهم الفرصة؛ غير أنهم في الغالب يجابهون بحرب إدارية ضدهم وبفرض عقوبات معلنة وأخرى غير معلنة عليهم تأتي في صور متعددة من تجاهل وتطفيش وتجميد إداري أو تأخير ترقية أو إيقاف حقوق أو حرمان إداري ومالي بل والتربص بهم ومراقبتهم بشدة؛ حتى إذا ما وقع أحدهم في خطأ غير مقصود، أو ربما خطأ مدبر له؛ فيتم الإجهاز عليه ليكون عبرة للآخرين! ولذلك فإن الجزء الأكبر منهم ينتقل إلى مجموعة الرحيل عن المؤسسة سواء بالنقل أو الاستقالة أو التقاعد حفاظًا على كرامته وصحته.
لدغة فساد:
رائحة الفساد في بعض المؤسسات لا تنبعث من نوافذها ولا تخرج مع أبواب المكاتب، وربما تظل مطمورة لفترة من الزمن لكن لا بد أن يطرأ ما يحركها ويثير الزوابع والشبهات حولها، وفي مرات كثيرة أصحابها هم من يخربون بيوتهم بأيديهم. فلا تدري أهو غبي! أم يتغابى؟ ذلك الذي يحاول إيهام وإقناع الآخرين بأن مجرد خفض قيمة فاتورة كهرباء لمبنى مهجور ومتهالك يعتبر إنجازًا يسجل ضمن نجاح خطة رفع كفاءة الإنفاق في مؤسسته؛ بينما في المقابل تجده وحاشيته يبتلعون الأخضر واليابس تحت ذريعة وغطاء خطط! ومبادرات ومشاريع وفرق عمل ولجان ودراسات وسفريات وانتدابات وهياط ومكتسبات وهمية، واللي في القدر يطلعه الملاس!!.
———‐
عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة.