المقالات

«رمتني بدائها وانسلت»

هيا كدا

«رمتني بدائها وانسلت»، أي عيرتني بعيب هو فيها وذهبت، أو ألصقت بي تهمة هي صاحبتها وغادرت، فهو مثل عربي له قصة طريفة.
يقال: إن رجلًا من العرب يدعى “سعد بن مناة”، قد تزوَّج على نسائه امرأة فائقة الجمال، تدعى رهم بنت الخزرج، فكنّ يغرن منها، ويحاولن إيذاءها، فيساببنها، بكلمة ليست فيها، فكانت تتألم من هذا الافتراء، وحصل أن أنجبت رهم لزوجها ولدًا سمي مالك، مما زاد من غيرة ضرائرها، فزدن كيلهن لها من الشتائم والسباب، حتى إنهن كن ينادينها بـ«يا عفلاء»، والعفل هو عيب يصيب المرأة بعد الولادة فتعاب به، فكانت رهم تبكي من وقع الوصف عليها، وتشتكي لأمها من أمر ضرائرها ومسبتهن لها.
فعلمتها أمها بأن تبادرهن هي بتلك الكلمة، أي يا «عفلاء»، وتسبهن بها متى ما اشتبكن معها، فارتقبتهن رهم حتى اشتبكت معها إحداهن، فعفرت فيها رهم وبادرتها منادية إياها بكلمة: يا «عفلاء»، وبدلًا من أن تبكي تلك الضرة لقولها هذا، ضحكت وهي تقول: «رمتني بدائها وانسلت»، أي سبتني بما فيها وليس في، فذهب ذلك القول مثلًا. هذا المثل الذي بدأت به كعنوان للمقال وجدت أنه الأمثل ليحاكي ما يحدث في دولة السودان الشقيقة من حرب. قد عرفنا بدايتها ولكن لن نعرف نهايتها، وقبل الخوض في المثل نطل على بعض المعلومات التي استقيتها من هنا وهناك عن قدرات الجيش الوطني، وما يسمي بالدعم السريع.
الجبش الوطني: يحتل المرتبة الـ75 عالميًا في قائمة أقوى الجيوش في إحصائية لعام 2023، وفقًا لموقع “غلوبال فاير باور” يصل عدد أفراد الجيش إلى 100 ألف جندي فاعل، إضافة الى 50 ألف جندي احتياط.
وفي التسليح، يمتلك الجيش السوداني 191 طائرة حربية متنوعة، من بينها 45 مقاتلة، كذلك لدى الجيش السوداني 170 دبابة ونحو سبعة آلاف مركبة عسكرية مدرعة و289 مدفعًا مقطورًا و20 مدفعًا ذاتي الحركة و40 راجمة صواريخ وأسطول بحري يتكون من 18 وحدة.
في الجانب الآخر تتحدث تقارير عن امتلاك قوات الدعم السريع لنحو مائة ألف جندي، و10 آلاف سيارة رباعية الدفع مصفحة مزودة بأسلحة رشاشة خفيفة.
وتمتلك القوات مقرات ومراكز في العاصمة، وفي بعض المدن الأخرى، شاركت قواتها في يوليو 2019، في نشر عناصر تابعون لها في ليبيا دعمًا للهجوم على طرابلس والذي تدعمه عدة دول، وتشكلت قوات الدعم السريع من جماعات مسلحة لها أهداف وعقيدة تخصها خلال الصراع في دارفور، وكانت تعرف باسم “الجنجويد”.
وتُعرّف قوات الدعم السريع نفسها على أنها “قوات عسكرية قومية التكوين تعمل تحت إمرة القائد العام، بهدف إعلاء قيم الولاء لله والوطن، وتتقيد بمبادئ القوات المسلحة”، وهذه القوات أثناء المعارك أعلنت (السيطرة على المطار وعلى القصر الرئاسي، ومنزل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان)، وفق ما نقلته رويترز.
كما زعمت أيضًا (السيطرة على القاعدة العسكرية في مروي)، التي شهدت اشتباكات عنيفة داخلها وفي محيطها، حيث استخدمت الأسلحة الثقيلة.
هذه معلومات على عجالة عن قدرات الفريقين ويُلاحظ القارئ أني وضعت أقواسًا على ما صرحت به قوات الدعم السريع وسيأتي شرح ذلك. إن عنواني للمقال “رمتني بدائها وانسلت” أقصد به ما تفعله وتصرح به قوات الدعم السريع؛ فهي تدعي أن الجيش هو من قام بالانقلاب وإنها “يا حبة عيني” تريد الديموقراطية وليس لديها مانع أن تحاسبها حكومة مدنية “طبعا الله أعلم إذا حدث ونشأت حكومة مدنية كيف ومتى، وإذا حدث فهل لها قدرة على محاكمتهم. وهم الذين طلبوا مدة عشر سنوات للاندماج في الجيش. وذلك تماهيًا مع مقولة “يا إما يا إما”، والتي سبق أن كتبت مقالًا تناولها وباختصار. أنا شيخ من شيوخ الزمان الغابر جدًا، والذين من الفضاوة يبغون يتسلون. طلب أن يؤتي بمعلم يعلم حمارًا القراءة والكتابة وجيء بعدة مدرسين اعتذروا لأنه لا يمكن فالحمار حمار. فكان يأمر بقطع رؤوسهم. حتى وافق أحدهم شرط يعطي مهلة عشر سنوات وتهيأ له وللحمار كل أسباب العيش “الكريم”، ووافق الشيخ وهو يعلم أن ذلك محال. وأصبح يمر بالخفاء بين حين وآخر ليعرف ماذا يفعل المدرس فيجد الشعير عند الحمار والمدرس إما يقرأ أو يأكل. فطلبه إليه وقال هل تعلم الحمار؟ فرد عندما تمر المدة سيكون كل شيء كما تحب. فرد الشيخ: اسمع يا رجل أعرف أنه لن يتعلم ولكن لماذا قبلت!؟ فقال: يا إما يا إما يا إما قال كيف رد خلال العشر سنوات إما يموت الحمار وإما أنا أموت. فضحك الخشيخ وكافأه وأمر بإخراجه. وبالتأكيد بالنسبة للدعم السريع خلال عشر سنوات قد تحدث عشرات يا إما ويا إما . المهم أن هذه القوة قامت بانقلاب والآن تدعي أن الجيش الوطني هو الذي قام بذلك فأولى علي من ينقلب وهو المؤسسة العسكرية الوطنية. ثانيًا هي تقول إنها استولت على (مطار الخرطوم ومروي وبعض مقرات الحكومة. ومنها المقر العسكري والقصر الجمهوري) “تذكروا ما ذكرته بين الأقواس” فأي عاقل سيصدق أن الجيش يقوم بتلك الحركة ولا يؤمن مقراته ولا المطارات؛ وبالذات مطار الخرطوم.. إنها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار أن من قام بهذه الحركة هو الدعم السريع. ربما قد آن الأوان وخاصة بعد إجلاء الأجانب. أن تتعامل الدول والمنظمات الدولية مع هذه القوة كقوة متمردة وإما تنصاع للسلام ووضع السلاح. وإما أن يتم دعم الجيش السوداني واتخاذ القرارات المناسبة ضدها من مجلس الأمن. الأصوات المنادية بالصلح وهو هدف مشروع ومطلوب ونتمناه. لكن لا أعتقد أنه سيحدث فقد انكشف المستور وانكب اللبن… قال الله تعالي في كتابه العزيز: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقتتلوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى