المدينة المنورة – خطب وأم المصلين في المسجد النبوي فضيلة الشيخ أحمد بن طالب بن حميد إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف في خطبة الجمعة وقال: أيها المؤمنون:إن الله قد تجلى لعباده في كتابه بصفاته، فإذا تجلى بجلباب الهيبة والعظمة والجلال، خضعت الأعناق، وانكسرت النفوس، وخشعت الأصوات، وذاب الكبر كما يذوب الملح في الماء.
وإذا تجلى بكمال الأسماء وجمال الصفات، وجمال الأفعال الدال على كمال الذات، استنفذ من قلب العبد قوة الحب بحسب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله، فيصبح فؤاد عبده فارغًا إلا من محبته، وكان حبه لربه طبعًا لا تكلفا.
وإذا تجلى بصفات الرحمة والبر واللطف والإحسان انبعثت قوة الرجاء من العبد، وانبسط أمله، وقوي طمعه، وسار إلى ربه، وحادي الرجاء يحدو ركاب سيره، وكلما قوي الرجاء جد في العمل.
وإذا تجلى بصفات العدل والانتقام، والغضب والسخط والعقوبة، انقمعت النفس الأمارة، وبطلت أو ضعفت قواها من الشهوة والغضب واللهو واللعب والحرص على المحرمات وانقبضت أعنة رعوناتها فأحضرت المطية حظها من الخوف والخشية والحذر.
وإذا تجلى بصفات الأمر والنهي والعهد والوصية وإرسال الرسل وإنزال الكتب وشرع الشرائع، انبعثت منها قوة الامتثال والتنفيذ لأوامره، والتبليغ لها، والتواصي بها، وذكرِها وتذكرِها، والتصديق بالخبر، والامتثال للطلب، والاجتناب للنهي.
وإذا تجلى بصفات السمع والبصر والعلم، انبعثت من العبد قوة الحياء فيستحيي من ربه أن يراه على ما يكره، أو يسمع منه ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه. فتبقى حركاته وأقواله وخواطره موزونة بميزان الشرع، غير مهملة، ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى.
وإذا تجلى بصفات الكفاية والحسب والقيام بمصالح العباد وسوق أرزاقهم إليهم ودفع المصائب عنهم ونصره لأوليائه وحمايته لهم ومعيته الخاصة لهم، انبعثت من العبد قوة التوكل عليه والتفويض إليه والرضا به وبكل ما يجريه على عبده، ويقيمه فيه مما يرضى به هو سبحانه.
والتوكل معنى يلتئم من علم العبد بكفاية الله وحسن اختياره لعبده وثقته به، ورضاه بما يفعله به، ويختاره له.
وإذا تجلى بصفات العز والكبرياء، ذلت النفس المطمئنة لعظمته، وانكسرت لعزته، وخضعت لكبريائه وخشوع القلب والجوارح له، فتعلو صاحبها السكينة والوقار في قلبه ولسانه وجوارحه وسمته، ويذهب طيشه وقوته وحدته.
فإذا عرف العبد ربه أوجب له شهود صفات الإلهية المحبة الخاصة والشوق إلى لقائه، والأنس والفرح به، والسرور بخدمته، والمنافسة في قربه، والتودد إليه بطاعته، واللهج بذكره، والفرار من الخلق إليه، ويصير هو وحده همه دون ما سواه، وأوجب له شهود صفات ربوبيته التوكل عليه والافتقار إليه والاستعانة به، والذل والخضوع والانكسار له.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: من كملت فيه معرفة ربه.. شهد ربوبيته في إلهيته، وإلهيته في ربوبيته، وحمده في ملكه، وعزه في عفوه، وحكمته في قضائه وقدره، ونعمته في بلائه، وعطاءه في منعه، وبره ولطفه وإحسانه ورحمته في قيوميته، وعدله في انتقامه، وجوده وكرمه في مغفرته وستره وتجاوزه، وحكمته ونعمته في أمره ونهيه، وعزه في رضاه وغضبه، وحلمه في إمهاله، وكرمه في إقباله، وغناه في إعراضه.