المقالات

تفسير الأحلام والخصوصية

كان في الماضي قبل وسائل التواصل الاجتماعي مثل التيك توك، تقدم برامج تفاعلية مباشرة في التلفاز عن تفسير الاحلام، وأعتقد لا زالت تقدم في بعض القنوات الفضائية، يستقبل فيها مفسر الأحلام اتصالات هاتفية من الجمهور، الذين يعرضون أحلامهم ثم يفسرها لهم على الهواء، “وتعال وشوف الفضايح، واللي ما يشتري يتفرج” .

وبسبب برامج تفسير الأحلام التلفازية والتي تطرح في وسائل التواصل الاجتماعي دمرت أُسر، وانتهكت أسرار، ونشرت فضائح وخصوصيات على الملأ.

مما أذكره، أن زوجة اتصلت على برنامج تفسير الأحلام في التلفاز وعرضت حلمها على المفسر، وكان تفسير حلمها أنها تخون زوجها والمصيبة أن زوجها كان بجوارها يستمع للمفسر، فهل تتوقعون أنه طلقها أو ضربها أو قتلها؟! .

وفي هذه الأيام كنت أتابع بث في التيك توك لمفسر أحلام، حيث عرضت عليه إحدى الفتيات حلمها، وكان تفسير الحلم أن أختها غير عفيفة، وكان صوت المتصلة وتفاصيل حياتها الاجتماعية واضحة كل الوضوح، ومن المتوقع أن يكون قد عرفها أهلها أو أقاربها أو صديقاتها من صوتها ومن حالتها الاجتماعية.

وفي تفسير آخر لفتاة اتصلت على مفسر في إحدى بثوث وسائل التواصل الاجتماعي، وعرضت حلمها على المفسر -ليس عليه فحسب- بل على جميع المتابعين والمشاهدين للمفسر في تلك الوسيلة التواصلية، وبعد انتهاء الفتاة من عرض الحلم، وجه لها مفسر الاحلام استفساراً، إن كانت هي على علاقة مع الشاب الذي تقدم لخطبتها دون علم أهلها بتلك العلاقة، ورُفض من قبل أبيها؟ فترددت هنيهه عن الإجابة، ثم ردت بالإيجاب، وأحسستُ كأنها كانت مضطرة لمصارحة المفسر من أجل معرفة تفسير حلمها لترتاح، ونسيت أنها بذلك قد تكون فضحت نفسها على الهواء.

وقد شاهدت أحد مفسري الأحلام يعتذر من المستفسرة عن عدم إبلاغها بتفسير حلمها، لأن التفسير سيكون مزعج لها، فكانت ردت فعل صاحبة الحلم، الخوف والقلق، وربما قد تدخل في حالة نفسية وهواجس، بسبب امتناع المفسر عن تفسير حلمها، وقد حاولت معه مراراً وتكراراً حتى يبلغها ولكنه أبى، وتركها في حيرة من أمرها.

في اعتقادي أن تفسير الأحلام في البرامج التلفزيونية، وفي وسائل التواصل الاجتماعي على مرأى من المشاهدين من الجمهور، ينتهك خصوصيات وأسرار أصحاب الأحلام والرؤى، وقد يترتب على ذلك مشاكل نفسية واجتماعية وقانونية، وفضيحة، ومالا يحمد عقباه، لأن معارف المتصلين قد يكتشفون هوياتهم من أصواتهم ومن تفاصيل الحالة الاجتماعية.

لذلك أرى عدم إعلان برامج تفسير الأحلام مباشر على الهواء في الوسائل الإعلامية وخاصة المرئية والمسموعة على الملأ وتكون إما حلقة مسجلة، كأن يقوم المفسر بطرح الحلم أو الرؤيا على المشاهدين وتفسيره، أو يكون تحت الهواء، أي على الخاص بين صاحب الحلم وبين مفسر الأحلام، وذلك لدواعي السرية والخصوصية.

ثم ما الفائدة من إعلان الحلم وتفسيره على المشاهدين، فكل حلم له تفاصيل خاصة بصاحب الحلم، ووفقاً لظروفه الاجتماعية، ومن الخطأ قياس أحلام الناس على بعضنا البعض، وما يمكن تفسيره لفلان قد لا يمكن تفسيره لعلان، وإن كانت أحلامهما أو رؤاهما متطابقة، لذلك لن تفيد متابعة تفاسير أحلام الآخرين، وإني أعتبر ذلك تدخل في خصوصيات الآخرين، فقد جاء في الحديث الشريف أن “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”.

البعض من الناس بعد الحلم يقلق ويخاف ويدخل في مرحلة الوسواس، وقد لا يتحقق حلمه أصلاً، أو قد يتحقق بعد زمن بعيد، ولن يرتاح الحالم حتى يبحث عن تفسير الحلم أو الرؤيا في كتب تفسير الأحلام، وفي جوجل أو يتصل هاتفياً على مفسر الأحلام، أو يتواصل مع مفسر عن طريق برامج تفسير الأحلام المذاعة في الوسائل الإعلامية أو التواصلية.

ورغم ما سبق ذكره، هناك بعض تفسيرات الرؤى تدخل السعادة والسرور في نفس صاحب الرؤيا، مثلاً كالمرأة التي أخبرها المفسر بأن تفسير رؤياها معناه أنها سوف تحج، فبكت من شدة الفرح والسعادة، ودعت للمفسر.

جاء في الحديث الشريف: (الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث حين يستيقظ ثلاث مرات ويتعوذ من شرها، فإنها لا تضره).

ماجستير في الخدمة الاجتماعية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى