المقالات

المخدرات اكتشاف وتعامل!

لم يكن كفار مكة حينما كانوا يعبدون الأصنام ينقصهم شيء من الفهم والحكمة، ولكنهم كانوا يُعانون من سيطرة المُعتقد الخاطئ على عقولهم!
المُعتقد الخاطئ والأفكار المشوّهة هي من ضمن الأسباب الجوهرية التي جعلت المتعاطي لأي نوع من أنواع المواد المبدلة للمزاج يدخل هذا العالم المُظلم من أوسع أبوابه ولسان حاله يقول: “جرعة واحدة وأتوقف” متوهمًا أن تلك الجُرعة الخادعة المميتة سوف تصنع له السعادة، وتذهب معها مشكلاته أدراج الرياح.
وقد تكون البداية الحقيقية لكل مريض لديه مشكلة مع سوء استخدام العقاقير على سبيل “الضيافة والعزومة” “وتكفى ماتردني”، ولو قاوم هذه الضيافة التي في ظاهرها كرم ونخوة وداخلها ألم وحسرة لأنتهت القصة تمامًا قبل أن تبدأ!
إن مجرد قبول هذه الضيافة حتى على سبيل المجاملة والرجولة، وعدم مقاومتها ورفضها وتوكيد الذات معها هي باب مُشرّع إلى المجهول، ثم ما يلبت بين عشية وضُحاها في عدم مقدرته على ترك المادة التي يتعاطاها؛ لأنه أصبح يعيش تحت وطأتها وآلامها النفسية والجسدية ومرتبط بمفهوم واحد يتمحور حول الجرعة التي يتعاطاها مفادها (أتعاطى من أجل أن أعيش وأعيش من أجل أن أتعاطى)، وهو لا يعلم يقينًا أن “الجرعة الواحدة لن تكفيه ولا الآلاف سوف تُشبعه”، وهذا الأمر يولد صراعًا مريرًا بين حبه الشديد لتلك المادة أو (المواد) التي يتعاطاها لشعوره الزائف بزوال همومه ومشكلاته بعد تعاطيها، وفي نفس الوقت الكره الشديد لها؛ لأنها أصبحت تؤثر سلبًا على تقييم وظائف حياته ومزاجه، ويتهاوى معها كل شيء جميل على المستوى الصحي والنفسي، والأسري والاجتماعي، والعملي والروحاني.
وما يزيد الأمر سوءًا هو إنكار الأسرة لمشاكل أبنائهم الذين يعانون من الاعتماد على المواد المبدلة للمزاج، وهي أكبر معوقات العلاج مما يجعل المشكلة تتفاقم تدريجيًا عند المريض وأسرته، وإنكار المشكلة جزء لا يتجزأ من المرض..
فالأمر قد يبدأ مع المتعاطي بمشكلات نفسية ثم ينتقل إلى الاضطرابات النفسية حتى يصل إلى المشكلات العقلية، وقد تحدث هذه الأعراض خلال أيام أو شهور أو سنوات.
إن الدعم الأسري والاجتماعي لمن لديهم مشكلة مع سوء استخدام العقاقير وتفهم مشكلته بكل أبعادها والمساعدة في إيجاد الحلول لها هي بمثابة اللبنة الأساسية في العملية العلاجية بأكملها، وكلما كان هناك مريض يعاني وأسرة متفهمة وداعمة ومعالج ناجح وبرنامج علاجي ممنهج ومراكز تأهيل مرخصة وتتبنى برنامجًا تأهيليًا متكاملًا كلما كانت هناك نتائج إيجابية ومنحنى صاعد نحو ديناميكية التغيير للأفضل.
وما تقوم به حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين من محاربة للمخدرات بكافة تصنيفاتها لما لها من تأثير سلبي على شبابنا وبناتنا ومجتمعاتنا وتنميتنا في وطننا الغالي هي جهود مباركة تحتاج مساندة وتضافر كل القطاعات ذات العلاقة الأمنية والصحية والاجتماعية.
ونحن في مراكز ومنتجعات قويم لعلاج الإدمان نشارك دومًا من خلال برامجنا في العملية التأهيلية التي تساعد على تقويم سلوك مريض الإدمان، وإعادة تأهيله إلى المجتمع، ونمد أيدينا لمساعدته حتى يقف على قدميه، لأنه أسير ليس لديه حرية الاختيار يعيش تحت وطأة المخدر ليل نهار يتهاوى كل شيء جميل في حياته كما تتهاوى الأشجار أمام سطوة الإعصار المدمر.

يتعلم من خلال برامجنا اليومية رفع صوت التعافي حتى يخفت معه صوت مرض الإدمان ويضمحل، وكلما حاول هذا المرض اللعين أن يتحدث إليه ولو همسًا فضحناه على رؤوس الأشهاد.
نسعى من خلال فريقنا المعالج تثقيف المريض بجوهر وخداع المرض ومساعدتهم في حل مشكلاتهم؛ وكأنهم يولدون من جديد ليعود كلٌّ منهم عضوًا نافعًا ناجحًا -بإذن الله- في حياته ووطنه.
همسة (رحلة التعافي من الإدمان تبدأ بخطوة).

– أخصائي نفسي وتأهيل مرضى الإدمان
المدير التنفيذي المساعد لمراكز ومنتجعات قويم لعلاج الإدمان.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button