السودان تُشكل جزءًا كبيرًا على الموقع الجغرافي من حيث المساحة وعدد السكان في قارة إفريقيا، وهي في المحيط العربي والإسلامي والإفريقي مع كثرة القبائل وتنوع اللهجات.
لقد شهدت السودان في أواخر القرن الماضي أحداثًا كثيرة، وتغيرات واسعة، أدت إلى تدخلات خارجية جراء انقلابات متنوعة، استفادت منها أطراف كثيرة وأهمها الطرف الإرهابي.
موجة الإرهاب الأولى في السودان: القاعدة وإيران.
في يونيو ١٩٨٩ تولى العميد في الجيش السوداني عمر البشير السلطة إثر انقلاب، وأطاح بالحكومة المنتخبة.
تحالف البشير مع حسن الترابي زعيم جماعة الإخوان المسلمين السودانية، الذي أنشأ الجبهة الإسلامية القومية على غرار جماعة الإخوان المصرية، ووصل الأمر بين البشير والترابي في تسعينيات القرن العشرين على الأقل بدا أن الترابي له اليد العُليا.
إن الترابي شخصيًا هو الذي دعا أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة إلى الوليد آنذاك، إلى التمركز في السودان في عام ١٩٨٩، وهو عرضٌ قبله “بن لادن” في عام ١٩٩١م، “بن لادن” وافق على مساعدة النظام السوداني في الحرب المستمرة ضد الانفصاليين المسيحيين الأفارقة في جنوب السودان؛ إضافةً إلى تشييد بعض الطرق، وفي المقابل سمح الترابي لـ”بن لادن” باستخدام السودان مركزًا لعمليات القاعدة في جميع أنحاء العالم، وللتحضير للجهاد.
وفيما يخص الجانب الإيراني في السودان: أصبح تنظيم القاعدة متداخلًا مع الدولة السودانية، وإدراكًا لهذه الحقيقة، صنفت الولايات المتحدة الأمريكية السودان في عام ١٩٩٣م دولة راعية للإرهاب، وبحلول ذلك الوقت كان الترابي يتمتع بعلاقات جيدة مع إيران، مثل العديد من الإخوان المسلمين، وقد ساعد في التوسط في صفقةٍ بين “بن لادن” والثيوقراطية الإيرانية، ممثلة في عماد مغنية من ضباط الحرس الثوري الإيراني والقائد العسكري لوحدة حزب الشيطان في لبنان.
ساعد الترابي في ذلك التقارب، حيث هدف إلى التغلب على الانقسام السني الشيعي لإنشاء جبهة إسلامية مشتركة ضد الغرب، وأراد النظام الإيراني الشيء نفسه، ومن ثم بدأت الإمبريالية الإيرانية العمل من خلال هيكل ميليشيا الحرس الثوري الإيراني في جميع أنحاء المنطقة، كان هذا هو سياق اتفاق إيران مع تنظيم القاعدة، تحالف لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا.
وكل هذه التحركات والاتفاقيات بين نظام البشير والتنظيمات الإرهابية والإيواء لـ”بن لادن” أدت إلى قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتفجير مصنع الشفا للأدوية شمال السودان في اعتباره على أنه مصنع للأسلحة الكيميائية والمتفجرات، والذي كان يعمل فيه أكثر من ٣٠٠ عامل، وينتج الدواء على حدٍ سواء للاستخدام البشري والبيطري؛ وذلك في عام ١٩٩٨ بعد تفجير سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في نيروبي ودار السلام.
واليوم -مع الأسف الشديد – باتت السودان في ظل أحداث الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بيئة خصبة للإرهاب، سواء من حيث هجرة جماعات العنف والتطرف التي تتخذ من بعض العواصم الأفريقية مأوى لها أو من إمكانية نزوح تلك التي استقرت في هذه الدول الإفريقية لسنوات طويلة.
حيث لم تكن هناك ظروف سياسية وأمنية تدفع التنظيمات المتطرفة لمعاودة نشاطاتها داخل السودان أكثر من تلك التي تعيشها الآن، بل هناك بعض التقارير التي تُشير إلى أن الإخوان في السودان هم من شاركوا في صناعة الأحداث بهذه الصورة حتى يستطيعوا أن يستفيدوا من واقع الحرب والفوضى التي عمت البلاد.
ومن المؤشرات التي تُشير إلى ضلوع التنظيمات المتطرفة الإرهابية في الحرب المشتعلة في السودان بروز شخصيات من الحركة الإسلامية لها علاقات قوية بالرئيس المخلوع عمر البشير، وهو أمر يطرح نظرية عودة البشير التي يتبناها عدد من قادة الجيش والإخوان المسلمين في السودان.
والخطر الأبرز هو الحدود السودانية التشادية التي تمتد لأكثر من ألف كيلو متر في شرق البلاد المجاور لإقليم دار فور الذي يشهد أعمال عنف قبلية ونزاعات حول الأرض والمياه.
وإن هذه الحدود ستكون بوابة الجحيم التي سيدخل منها آلاف المقاتلين في تجربة شبيهة بتجربة تدفق المقاتلين إلى العراق من سوريا.
والخاسر الأكبر هو الشعب السوداني الذي يحتاج إلى قيادة وطنية تُعيد السودان إلى مكانته الطبيعية كبلد اقـتصادي غني.
ولقد اتخذت المملكة العربية السعودية موقفًا عظيمًا بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- في البحث عن حل لهذه الأزمة الخطيرة التي تهدد المنطقة بأسرها؛ وذلك بدعوتها للشعب السوداني العمل على تكريس لغة الحوار، والدعوة إلى الحلول السلمية هو الطريق الوحيد لحل الأزمة.
ووقفت مع الجانب الإنساني في إجلاء الرعايا الأجانب دون استثناء في السودان كل ذلك مما يدل على أن السعودية تبذل ما في وسعها؛ لتحقيق السلام العادل ومحاربة الإرهاب والتطرف.
ويحب على المؤسسة العسكرية الوقوف مع إرادة الشعب المطالبة بالديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وعدم دعم للنظام الديكتاتوري.
وعلينا جميعًا الوقوف مع المملكة العربية السعودية للاستفادة من خبرتها في استئصال جذور الإرهاب، ومن بينها التلاحم الوطني بين أبناء الوطن الواحد، وعدم السماح بالتدخلات الخارجية من خلال التحزبات والتنظيمات التي تهدد الأوطان، وتجعلها بؤرًا للارهاب والتطرف كما نرى ذلك في العراق وفي سوريا وفي لبنان أو ما يُسمى بالربيع العربي، وهو ليس ربيعًا عربيًا بل دمارًا عربيًا، وهو الواقع اليوم في تونس وليبيا وغيرهما.
– إمام وخطيب المركز الثقافي الإسلامي بمدينة درانسي شمال باريس في فرنسا