المقالات

ابن حربي، رجلُ العِلْمِ والسَّلْم

“رمزَ الوفاءِ ونبعَ العِلمِ عُثْمانُ
مُعلِّمَ الجيلِ ذا فَضلٍ لَهُ شَأْنُ
أفنيتَ عُمرًا تُديرُ الكأسَ مُتْرَعَةً
عِلمًا لِيَرقى بِحُبِّ الخيرِإنسانُ”

وضع لبنةَ التعليمِ مؤسِسًا، وعلّم أجيالًا، فبنى عقولًا وأنفسًا، هكذا صوّر ابنه (أ.د. محمد بن عثمان). والدَه، قائلًا:
“رَحل مَنْ كانت له الصدارة في شَقِّ عُتْمَة الجهل بنور العِلم في بني سعد،،
رَحَل أستاذ الأجيال المتواترة من العدم العِلْمِي إلى ميدان التأثير الجَمْعِي،،”
رحل الأبُ والمعلمُ والمربي والمصلحُ الاجتماعي، الذي افتقده مجتمع الطائف، وافتقده المكانُ قبل الإنسان، والأثرُ قبل البشر.
إنه الأستاذ، عثمان بن حربي الثبيتي-رحمه الله-، علمٌ من أعلام التربية والتعليم، والإصلاح الاجتماعي.
كان رحمه الله معلمًا، وقائدًا، وموجهًا وقدوةً، تسنّم ذروة المجد التعليمي، بحنكته، ورجاحة عقله، كان يمثّل لنا ذلك الجيل أبًا تربويًا، وقدوةً، وناصحًا وموجهًا؛ معلمًا وقائدًا تربويًا، تعلّم منه جيلي، ليس الكلمات والحروف فحسب، بل القدوة في الأفعال، والأقوال.
(عثمان) – رحمه الله – الرمز والتفرد – نسيج وحده- كما عبّر عنه د. عايض بن صافي، واصِفًا إياه (بالعرّاب): “إن مقابلة الوجود الذي يتحدث في نطاقات الأمكنة والأزمنة بالكلمات المنفردة والوحيدة لهو مبتغى عَسِر ومنال صعب، إذ إن إمكانية امتلاك انضباط تفكير شدة الكلمة، هو قوة قابلة لقياس الوجود ممتد الأثر، وهذه الصيغة تتطلب القياس والموازنة لرحلة رمز يمثل عرّاب تماس منتجات حضارة المدينة ومعارفها مع الريف وكلاسيكيته الإنتاجية ومحيط تفكيره، هذا الرمز “عثمان بن حربي” الوجود الذي تحدث في كل محطات الزمن الذي عايشه طيلة ما يُقارب من ثمانية عقود، تحدث بلغات ولهجات تنافي أن تكون بعده، حالة سرد أو “قميص”.”
اللينُ والرشدُ والصدقُ، سماتُه وصفاتُه، بوعي الأقربين:
“كان ليِّنًا في تعاملاته،،
رشيدًا في قراراته،،
صادقًا في تنبؤاته،،”
أحدُ تلاميذه، ممن اجتنى من مدرسته (أ. فواز بن دخيل الله الثبيتي) اختصر صفاتَه الشخصيةَ، مُمَجِدًا:
“عثمانُ:
مُعلمٌ، مُربٍ، مُوجهٌ، مُؤدِّبٌ، مُهابٌ، مُعجمٌ، مُصلحٌ، مُحكِّمٌ.”
نعم، عثمان – رحمه الله – “وُهِبَ الحِكْمَة فوظَّفها في حَلَّ النزاعات بكافة مساقاتها، ووُهِبَ الحُلُم فكان الصدر الذي تتكسَّر عليه جميع ردود الأفعال الغاضبة.”
أو كما قال عنه الشيخ / راشد الحافي أحدُ مشائخ بني الحارث، تأبينًا له:
“كان نعم القدوة والمثل الذي يحتذى
وكان سهلًا ليّنًا بشوشًا محبًا للجميع يقف على مسافة واحدة من الجميع
وكان ناصحًا أمينًا يحب الخير للجميع
وكان يتمتع بأخلاق حسنة وحسن إدارة للحوار، وكان يصرُّ على توخي الحقيقة واستقصائها من الأخصام حتى يتضح له الحق جليًا حرصًا منه على براءة الذمة، وكان مطلعًا على كتاب عمدة الأحكام ما جعله متمكنًا في تقدير الدماء من شجاج وجوائف ورقاب، وكان يستنير بشرع الله وما قاله الله ورسوله في الإصلاحات، وكان يفيد ويستفيد من الصغير والكبير، وكان محبوبًا عند الناس، ويتمتع بحضوة لدى عتيبه وبني الحارث خاصة ولا أذكر أنه حضر مجلسًا لصلح إلا تم بإذن الله، ولا أرى فيه إلا أنه مثّل (مدرسة عثمانية) في عصره نهل منها مصلحون كُثر”.
رجلُ القبيلةِ، ورجلُ المجتمعِ، توّجَ حياتَه بالتواضع، وتوشّح بالقبول، كما عرفه اللواء/ منصور بن حميدان الثبيتي:
“رجلٌ كيّس، ومربٍ فاضل، وهبه الله الوقارَ والتواضعَ، والقبولَ لدى الناس، فهو رجل عظيم بكل المقاييس العلمية والأدبية والتاريخية، واستطاع أن يجمع بين هذه الصفات وبين الأعراف القبلية، سواء في إصلاح ذات البين أو دوره الاجتماعي تجاه قبيلته، أوالقبائل الأخرى”.
ولم يكن بمنأى في مكانته وقربه من النفوس، عن الشيخ/ عيضه بن محمد الخديدي:
“•سيرته الذاتيه سيرة عطرة، متعلم ومطلع في الفرائض، مطلع في الأنساب، مثقف ومقطع حق، واستفدت منه في كثير من الأمور”.
تفرّد بصفات، وسمات جعلته مصدر ثقة، ومكانة عند الآخرين، على المستويين الاجتماعي أو المؤسسي، عرفها في شخصه الشيخ الدكتور/ عابد العتيبي (عضو لجنة إصلاح ذات البين):
1- سعى في تنفيذ طريق بني سعد.
2- حرصه على أبنائه الطلاب، مما جعله يسعى في مكافأة الاغتراب لهم.
3- استقطاب أبناء القرى المجاورة للمدرسة للتعليم والتعلُّم.
ومن صفاته ومآثره:
* الحزم في الأمور الإدارية مع فتح باب الشفاعة، وهذا منحى من مناحي الإصلاح الذي انتهجه الشيخ ( عثمان) – رحمه الله-، ويردد غالبًا (ذنبان لا تغتفر، الشرك بالله والإضرار بالناس).
* الحكمة والفراسة بمعرفة الرجال، وينزّل الرجال منازلهم.
* عدم التعصب القبلي في قضايا الإصلاح، وإن تعصّب فللحقِّ.
* ثقة القضاة فيه، فيستدعونه غالبًا في بعض القضايا، في بدايتها، أو عند إصدار الأحكام.
* النية الصادقة في الإصلاح، مبدأه قوله تعالى :(إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) (النساء: 35).
* الحكمة وتهدئة الأمور، لحرصه على الإصلاح، وليس العقوبة وتشفي الخصوم ببعضهم.
إنه عثمان – رحمه الله – والذي كان “كان ملاذًا لكل مُحْتار،،
وداعمًا لكل مُحْتَاج،،
وشافيًا لكل سائل”
خِتامًا، أقول: “أنتم شهود الله في أرضه”.
وأخيرًا:
برديّة -مِلْؤها الدَّعواتُ -صادقةً
بِأنْ يجازيك رَبُّ الخلقِ رحمانُ
جناتِ عدنٍ ورضوانا ومغفرة
والمُحسِنون لَهُمْ في الضّيقِ إِحْسانُ
فكمْ صَنعتَ من المعروفِ؛ ياعَلمٌ!
بِالصِّلحِ تَسْعى ولِلأَخيارِ مِعْوانُ
(د. محمد بن سعيد الثبيتي).

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button