المقالات

السودان وسياسة شد الأطراف

قال صاحبي: هل نحن أمام مرحلة إعادة رسم الخرائط، أم ردة فعل على ما يحدث في المنطقة والعالم بشكل عام، لماذا منطقتنا دون سواها لا تهدأ ولا تنتهي أزماتها، هل لأنها خرجت من المعطف الأمريكي وتحوَّلت من حليف إلى خصم كما يتصور بعض أطراف الحكم في أمريكا، ما الاستراتيجية التي استخدمها عملاء وأعداء منطقتنا من أجل تحقيق مكاسبهم ومآرب غيرهم في تحريك رقعة الشطرنج في السودان؟
قدر منطقتنا العربية مزاياها الكثيرة. من موقعها الجغرافي الاستراتيجي، إلى ثرواتها المتنوعة من النفط إلى الغاز، والمعادن بمختلف أنواعها المعلوم منها والمجهول، وكما فيها من النعم، ففيها من النقم، والمتمثلة بوجود مواطنين يخربون بيوتهم بأيديهم قبل أيدي أعدائهم، سماعون لغيرهم، منفذون لأوامرهم، دون وعي منهم بمآلهم الأسود بعد تحقيق مخططات من لا يريد بهم ولا بوطنهم ولا بمنطقتهم خيرًا.
القوى الإقليمية والعالمية اكتشفت هذه الثروات البشرية التي تخدم مصالحها، وجندتها، ودعمتها، ودفعت بها إلى الواجهة، حتى تصبح الجسر الذي تعبر من خلاله إلى أوطاننا، ثم تبسط نفوذها، وتتحكم بمصائرنا، وثرواتنا، دون أن تخسر جنودها، أو أموالها، منفذة وصية الأمثال العربية: “خُذ من كيسه وعايده” و”من سمنه وسقي له”.
تذكر الروايات المتعددة قصصًا مختلفة عن مصير كل من جند نفسه في صفوف الطابور الخامس، ظنًا منه أنه سيحظى بمكان ومكانة لدى من خان وطنه من أجله. ما تزال صورة الطائرة الأمريكية، وهي تغادر مطار كابول وعلى أجنحتها الكثير من الأفغان ممن قدم (خدماته) لواشنطن وقد أغلقت الأبواب في وجوههم، تحمل رسالة عظيمة لمن وعاها، باختصار؛ لا مكان في أمريكا لمن خان وطنه.
ما علاقة ما سبق فيما يحدث في السودان؟ ما سبق لا يخص السودان وحده، ولكن لأن المنطقة العربية جمدت خلافاتها، شذ عنها السودان الذي أصبح فوق صفيح ملتهب، قابل للتمدد والانفجار، فالصراع في السودان بدأت تتزايد وتيرته منذ اللحظة التي لم يحسم بها السودانيون مستقبلهم بشكل يغلق نوافذ الشقاق بينهم، حتى أخذ منحنى الصراع مسارًا تصاعديًا، أدى لانتهاج سياسات تدميرية تقود السودان لحرب مفتوحة؛ ونتيجة معروفة بعد الوصول إلى حافة الهاوية.
ومنها إلى مائدة المفاوضات، وما أدراك ما مائدة المفاوضات؟ وقبلها ماراثون مسموم لعدد غير محدود من المندوبين والمبعوثين، الذين لا يقدمون الحلول، بل يعمقون الخلافات بين الأشقاء. كم مندوب ومبعوث مر على ليبيا، وسوريا، واليمن، والنتيجة…؟! وقل ما تشاء عن عدد القرارات الأممية بشأن الصراع في السودان، التي لا تساوي الحبر الذي كُتبت به، ما لم تحقق أهداف من أصدرها!
تفجر الصراع في السودان كان متوقعًا لهشاشة الأرضية التي بني عليها الاتفاق بين مختلف الأطراف السودانية، ولتأجيل الحديث عن المسكوت عنه، فالسودان كان بحاجة للمصارحة قبل المصالحة، ولكن الفأس وقع في الرأس وصار السودان الضحية الأخيرة والبلد المريض، الذي يزعم البعض أن علاجه الوحيد مبضع القوى الدولية التي تمتلك وحدها الخبرة والتاريخ في تقطيع الدول.
سياسة شد الأطراف ثم بترها هذا أفضل تشخيص للحالة السودانية، فقد بدأت بفصل السودان عن مصر، ثم فصل جنوبه الذي أصبح دولة مستقلة، وعضوًا في الأمم المتحدة بعد خمسة أيام من انفصالها!!، وما زالت عملية شد الأطراف التي بدت ضعيفة قبل نصف قرن، ولكنها عادت شابة في العقد الأخير لأسباب كثيرة، منها غياب مفهوم الأمن القومي العربي بمعناه الشامل، ومنها عدم وجود رؤية عربية مشتركة تجاه تحديد من هو العدو ومن هو الصديق.
وأخيرًا تتابع الأزمات الداخلية، والصراعات الإثنية ساهمت في إيجاد بيئة مناسبة لشد الأطراف ثم تقطيعها. هذه السياسة لا يشمل ضررها السودان، بل هو متعدٍ لجميع دول المنطقة العربية، ولكن إلحاق الأذى والضرر بها من أطرافها يتم بطريقة ماكرة.
قلت لصاحبي:
الدول العُظمى ومجالسها الدولية لا تحل المشاكل، ولكن تُعيد ترتيبها وإدارتها وقطف ثمرتها فقط!!.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مرحباً دكتور عبدالله ..
    مقال جميل وشامل كنظرة عامة لما يحدث في السودان ..
    ولكن في اعتقادي ، وبالمختصر لو البرهان تخلى عن شبق وعشق السلطة وتركها خلال ستة أشهر من عزل البشير ، لكان السودان في خير ، وسلامتك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى