هل تغلق الأندية الأدبيّة أبوابها حين تتحوّل إلى القطاع غير الربحيّ؟. فينقطع عنها الدعم الحكوميّ ثمّ تتّجه إلى التبرّع الخيريّ، بعد أن كفلت الدولة هذه الأندية قرابة خمسين عامًا؛ لتمنح الأديب والمثقّف من عطائها السخيّ، لا ليلبسا ثوب الثراء، ولكن لتدعمهما فهما يحملان قلمًا ينتمي إلى ثقافة الوطن، ويكتبان حرفًا يذود عن مصالح الوطن، ويجلسان على مائدة الثقافة والأدب فيديران ثقافة وأدبًا لترسيخ هويّة الوطن، ويمثّلان وطنهما في المحافل الدوليّة الثقافيّة، والمؤتمرات الأدبيّة فيسكبان حبرًا من أوردة تتنفس حبّ الوطن، وتجرى فيها دماء تعشق ثقافة الوطن.
الأندية الأدبيّة استقطبت الأديب والمثقّف ناشئا، ويافعًا، وراشدًا، ودعمت عطاءه الثقافيّ ونتاجه الأدبيّ، الذي نحته من مشاعره، وكتبه بلغة هويّته، لغة وطنه التي يحمل رسالتها، ويسعى للمحافظة عليها بوصفها ركيزة من ركائز الوطن، ولأنّ اللغة التي يخاطب به الناس هي لغة ثقافته، وهي نسيج ينبعث من تراب هذه الأرض الطيّبة التي عرفت الأديب، وحفظته، وحفظها، تلقّته شاعرًا، واحتفت به كاتبًا، وقدّمته متحدّثًا باسم ثقافتها، ومعبّرا عن رؤيتها، ومتمثّلا لتطلّعاتها. لغة الأديب في أروقة الأندية الأدبيّة ومسارحها، ومنابرها لغة الوطن التي بها يتكلّم العلم، وينطق الفكر، ويتواصل إنسان هذا الوطن مع العالم، ونقدّم للعالم ثقافتنا في أجمل صورها، في قصيدة شاعر، ورواية كاتب، وقصّة عاشق أحبّ أرصفة الطريق في شوارع مدينته؛ وتعلّق بشموخ النخيل في واحات وطنه، وعانقت كلماته رايته العليا. إنّه الأدب الذي تكرمه ثقافة الوطن، وتحتفي به في كلّ عصر، وتحفظ له آفاقه الواسعة، وتنشئ له المؤسّسات الداعمة.
يعتزّ المواطن بالأديب السعوديّ الذي يتطلّع الأدباء والمثقّفون في كلّ مكان من العالم إلى تلقّي أدبه، وتفهّم ثقافة وطنه من خلال رسالته الأدبيّة، وخطابه الإنسانيّ، ووعيه بما يكنّه الأدب من سموّ وعلوّ بأخلاق الإنسان، وسلوكه، وانتمائه.
إنّ الجمال في بناء المدن، وتحسين مظاهرها، وإبراز جمال الطبيعة، وزيادة الرقعة الخضراء، وتشييد المنشآت الصناعيّة والاقتصاديّة، يقابله كلّه طرف آخر في المعادلة الجماليّة هو جمال الكلمة، وجمال المشاعر، وجمال صورة الإنسان بوصفه محبّا للناس، ناطقًا بمشاعر المجتمع، متحدّثًا بلسان الانتماء. إنّها مفردات في كلّ رسالة يكتبها الأديب.
وبعد فإنّ وزارة الثقافة التي تحمل في رسالتها إثراء نمط حياة الفرد، وتعزيز الهويّة الوطنيّة، وتشجّع الحوار الثقافي مع العالم؛ لهي جديرة بأن تستقطب ذلك الأديب والمثقّف في ظلال خيمته التي يأوي إليها وهو يتغنّى بحبّ وطنه، ويتباهى بمكانة بلاده، ويتحلّى بمحاسن ثقافته، في ظلال الأندية الأدبيّة حيث يدعم رسالته التراثيّة، ويكفل له النادي الأدبيّ وصول رسالته الوطنيّة إلى المجتمع، وإلى العالم متمثّلًا رؤية وطنٍ عظيم يتطلّع أن يكون في بضع سنوات في مقدّمة دول العالم. وسيكون بإذن الله.
0