لا يبدو أن هناك نهاية قريبة للنزاع المُسلح بين الجيش السوداني وقوات التدخل السريع التي تعُتبر امتدادًا للجانجويد، وهي الميليشيات التي أطلقها الرئيس السوداني السابق عمر البشير في دارفور، مما أدى إلى مواجهته اتهامات بارتكاب جرائم حرب. ففي ظل الدعم الذي يتلقاه الفريقان من العديد من القوى الخارجية، يؤجج هذا النزاع ويهدد بحرب أهلية طويلة الأمد، أو بانقسام جديد في السودان، والغريب في الأمر دخول دولة جمهورية جنوب السودان – الذي انفصل عن السودان خلال فترة حكم البشير التي دامت ثلاثين عامًا- في التوسط بين الجانبين لإنهاء النزاع، فيما يلوح في الآفاق بوادر انفصال سوداني آخر، بينما كانت البلاد تستعد للانتقال بشكل كامل إلى السلطة الديموقراطية، وهو ما يعني أن هذا الانتقال عاد إلى نقطة الصفر.
هناك العديد من المؤشرات التي تدعو إلى الاعتقاد بأن النزاع سيطول، أهم تلك المؤشرات إجلاء الدبلوماسيين الأجانب وتدفق العديد من المواطنين السودانيين في موجات هجرة متتالية إلى الدول (جنوب السودان- تشاد – إثيوبيا ومصر). المجاورة لكن أهم ما يميز هذا النزاع سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى في صفوف قوات الجيش وقوات التدخل السريع والمدنيين الأبرياء، خاصة في العاصمة الخرطوم. إلى جانب تضارب الأنباء والاتهامات بين الطرفين، وتدخل العديد من الأطراف الخارجية في النزاع كحفتر وقوات فاجنر وغيرهما كإسرائيل التي تدعم طرفي النزاع، والاستعداد للتوسط بينهما في ذات الوقت، بما يُثير التساؤل: أي مصلحة لهذه الأطراف في إطالة أمد الصراع وتخريب السودان وإشاعة أجواء الفوضى والاضطراب في أرجائه؟!
يمكن القول: إن النزاع المسلح في السودان جاء مفاجئًا للكثيرين، كما أن أحدًا ما لم يكن يعتقد أن ثمة خلاف بين البرهان وحميدتي، اللذين كان كثيرًا ما يظهران كحليفين متضامنين، وذلك منذ أن عملا معًا للإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير عام 2019 وحيث لعبا معًا دورًا محوريًا في الانقلاب العسكري عام 2021 الذي أطاح بالانتقال الهش إلى الحكم المدني، حيث بدأ صراع على السلطة – كانت آخر نقاط الخلاف الحاد في إطاره هي اندماج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي – والتي كانت سببًا مباشرًا في اندلاع القتال.
وتزداد المخاوف يومًا بعد يوم على اتساع رُقعة العنف لتشمل دوًلا أخرى في المنطقة، أو أن ينتشر العنف إلى دول أخرى في الجوار، في ظل الحقيقة أن خمس دول من جيران السودان السبعة – إثيوبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا وجنوب السودان – شهدت اضطرابات سياسية وأشكالاً من الصراع في السنوات الأخيرة، إلى جانب أن النزاع العسكري في السودان يُشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، إذ تشعر القاهرة بالقلق، حيث يتشابك تاريخ مصر والسودان بالجيرة العتيقة، والتاريخ المشترك، وبالسياسة والتجارة والثقافة ومياه النيل المشتركة، وتخشى القاهرة أن تؤدي التطورات في السودان إلى نشوء نظام جديد يدعو إلى فك التحالف بينها وبين الخرطوم في مواجهة إثيوبيا التي بدأت فعليًا حربها المائية ضد الدولتين، وتدرك القاهرة جيدًا أن أي توتر في العلاقات بين الخرطوم والقاهرة قد يعرقل جهودهما للتوصل إلى اتفاق مع إثيوبيا فيما يتعلق بسد النهضة.
مع احتدام المعارك في شوارع الخرطوم والمدن الكبرى الأخرى، وتبدد فرص المصالحة مع مرور الوقت، يصعب تحديد متى قد ينتهي القتال أو من الذي سيحكم السودان في المنظور القريب، وما هو مصير الديمقراطية في السودان؟