رأيتُ على ملامح صديق لي شيء من الشحوب والسرحان والصمت، وهو يمسك بهاتفه النقال بين كل ثانية وأخرى؛ وكأنه ينتظر مكالمة أو رسالة هامة، وهنا بادرته بالسؤال قائلًا: ما بالك متوجس ومترقب أهناك ما يشغل بالك أم أنك تنتظر مكالمة من أحد ما ؟! وهنا غيَّر صديقي من وضعية جلوسه والتفت إليَّ وبصوت مخنوق قال: يا أخي من يسكن على امتداد الطريق الدائري الثالث الذي يمر من أمام مستشفى النور بمكة المكرمة؛ وتحديدًا مابين مجمع فنادق الراجحي ومسجد السنوسي في الجهة المقابلة؛ فإنه حتمًا سيبقى في قلق مستمر على أهله وفلذات كبده بل إنه سيفكر عشرات المرات قبل أن تحدثه نفسه أو تسول له بالتنقل مشيًا على أقدامه أو حتى راكبًا لسيارته عبر حدود (شارع الموت) كما أصبح يسميه العابرون لذلك الطريق؛ لأنه سيتعرض لاكتئاب نفسي و لآلام وجدانية عميقة مع كل حادث دهس يراه أمام ناظريه، ومع كل صوت ارتطام يسمعه يختلط بعده اللحم بالأسفلت والحديد، ومع كل صوت لسيارات الإسعاف والدوريات الأمنية والمرورية التي باتت إحدى سمات هذا الطريق الذي أصبح يُمثل خطرًا كبيرًا على مُرتاديه ممن يسكنون في الحي المتاخم لحدوده، وممن يتردد على المحلات التجارية القريبة منه، وهنا لاحظ صديقي تأثري الذي بدأ يظهر على ملامح وجهي؛ فتوقف عن الكلام وخيم الصمت على المكان !
فكم هو مؤلم أن ترى كل أسبوع أو كل شهر حادث مروع تزهق فيه نفسًا بريئةً لا ذنب لها سوى أنها من سكان ذلك الحي، أو من المارة الذين يحاولون قطع الشارع للانتقال إلى مجمع الفنادق وجامع الراجحي، وكم هو مؤلم أن تتتجاهل الجهات المختصة هذا الوضع الخطير الذي يعاني منه قاطنو هذا الحي وسالكو هذا الطريق منذ مدة طويلة، رغم الفواجع الكثيرة التي وقعت به، والتي زادت مؤخرًا بعد استحداث مواقف لحافلات النقل الترددي في الجهتين مما يجعل بعض راكبي هذه الحافلات يقطعون الشارع عند الذهاب إلى الحرم أو عند العودة منه؛ فزادت بذلك حركة الناس وزادت حوادث الدهس بشكل ملفت ومفجع.
بل إن الأشد إيلامًا من ذلك هو أن يشاهد معك أولادك وأهلك هذه المناظر الصعبة والإحساس اليومي المتجدد بدنو الموت المفاجئ في كل لحظة يشاهدون فيها ضحية مسجاة على الطريق أو في كل لحظة يحاولون فيها العبور من خلال طريق الموت.
وختام القول.. فإن هناك شوارع كثيرة منتشرة بالمدن والمحافظات يصح أن يطلق عليها بلا تردد “شوارع الموت” بسبب كثرة حوادثها اليومية، وحصدها للعديد من الأرواح لا سيما حوادث الدهس؛ وذلك بسبب عدم توفر جسور للمشاة في الكثير من تلك الشوارع التي بات الداخل فيها مفقود والخارج منها مولولد؛ لذلك فإننا وبصوت واحد نبعث برسالة موجهة لكل مسؤول يعنيه هذا الأمر مفادها بأننا لا نريد شوارع الموت هذه في وطننا بل اقضوا عليها، وأوجدوا الحلول السريعة لمشاكلها فإن أغلى ما نملكه أرواحنا، فهل من مبادر ينقذ الأرواح ويوقف الدماء المسالة على قارعة الطريق المشار إليه بالدائري الثالث بالعاصمة المقدسة ؟!
وخزة قلم:
تعديل الأخطاء والثغرات الموجودة في هذه الشوارع القاتلة. سيحد من الحوادث المرورية البليغة ويجعل من طرقاتنا أكثر أمانًا.