في لقاء من لقاءات أسبوعية الصديق الدكتور عبد المحسن القحطاني تحدث الزميل الإذاعي القدير عدنان صعيدي تحت عنوان مثير ومختلف عليه “الإذاعة لا تشيخ”، عن تجربته في الإذاعة ومشواره خلف الميكروفون وصعوبة إنتاج العمل الإذاعي؛ بهدف إرضاء المستمع وكسب متابعته، علقت على محاضراته، وقد شاركته عشق العمل الإذاعي من خلال إعداد العديد من البرامج الثقافية والدرامية على مدى عقدين من الزمن لإذاعة جدة.
بالفعل (الإذاعة) لم تفقد بريقها، بعد هيمنة الإعلام المرئي بفضائياته وانتشار السوشيال ميديا، وظلت صامدة منافسة؛ لأن الإعلام المسموع إعلام له طبيعته وله جاذبيته وعشاقه.
الإذاعة من وسائل الإعلام المنتشرة نظرًا لشعبيتها وتعتبر من أهم وسائل الإعلام جماهيرية، لأن الإذاعة تخاطب شريحة عريضة من الناس، تتباين أعمارهم وأهواؤهم، على اختلاف طبقاتهم ومكانتهم الاجتماعية ووضعهم الاقتصادي، ويُقصد هنا بالفوارق الثقافية والتعليمية والميول. إلا أن التجربة والإحصائيات الحديثة، أثبتت عدم صحة نظريات الكثير من الباحثين في مجال الإعلام والعلاقات العامة، لأن الإذاعة لم يقتصر انتشارها في المجتمعات النامية والعالم الثالث فقط، بل تلاقي بتقنياتها الحديثة إقبالًا واستحسانًا من طبقة واسعة من الناس، بعد رواج إذاعات الـFM حتى في الدول المتقدمة، بل إنه يُعتمد عليها في قياس الرأي العام، وتوجيه رسائل إعلامية للترويج لفكرة معينة أو توجه ما، وتؤكد دراسات قياس الرأي، أن نسبة المستمعين للإذاعات لا تقل جماهيريًا عن نسبة المشاهدين للتلفزيون ووسائل الإعلام الجديد.
الإذاعة أو الإعلام المسموع، يسهل الحصول عليه والاستمتاع به بسهولة ويسر، في وسائل النقل وعبر أجهزة الآيباد والأيفون، وبعض الهواتف النقالة التي تتوفر فيها خاصية نقل البث الإذاعي، بينما وسائل الإعلام الأخرى لا بد من الاستعداد لاستقبالها وتلقيها، بالمشاهدة أوالقراءة، في البيت أو المكتب أو المقهى، وهو ما يؤكد أن الإذاعة هي الوسيلة الأكثر التصاقًا بالناس، لسهولة الوصول إليها والتواصل معها؛ إذ لا تحتاج إلى تركيز عميق، لسماع برامجها، وهي تقوم بدور حيوي ومؤثر في حياة البسطاء من الناس؛ لأن لها تأثيرًا قويًا في العواطف والعقل، ويُثير السمع سيكولوجيًا بقية حواس الإنسان الأخرى فتستجيب له مختلف الحواس، لذلك قالوا في أمثالنا “الأذن تعشق قبل العين أحيانًا”، وربما (غالبًا).
تساءلت في تعليقي لماذا لم تستمر الإذاعات الرسمية سواء إذاعة الرياض وإذاعة جدة على وقارها ورصانتها ويترك للإذاعة الخاصة نمطها وأسلوبها الذي يتفق مع أساليب الإعلام الجديد الترويجية، وقد لوحظ عدم اهتمام القائمين على برامج الإذاعات المتعددة الخاصة التي تتنافس على جذب المستمعين، خلق مناخ ثقافي مختلف ولغة نعتقد أنها تؤثر سلبًا في لغة وثقافة الأجيال المعاصرة، لأن مذيعي ومذيعات الـfm، يروجون للغة وثقافة مختلفة مشوهة بمفرداتها وعباراتها، لغة في الغالب هي خليط بين العامية المبتذلة والأجنبية المختزلة وشيء من الفصحى الركيكة، ولأننا أملنا كثيرًا، بعد أن فُتح المجال لإذاعات “الإف إم” الخاصة، أن تقوم بدور حيوي ومهم في المجتمع. ترتقي بالمادة الإذاعية الإبداعية، والراقية بأدائها ولغتها، خاصة وأن الجيل الجديد، المهتم بالتواصل، تغريه البرامج الإذاعية المفتوحة والمباشرة، وهم الأكثر تعلقًا وعشقًا للإذاعة، لذلك لا بد من العمل على تطوير دور الإذاعات المجتمعي والتثقيفي، والترفيهي بلغة وأداءٍ راقٍ، والمطالبة بأن تعود الإذاعات الرسمية لأصالتها لغة وأداءً وإنتاجًا حتى لا تزيد حسرتنا على أصوات إذاعية تعلمنا منها عشق الإذاعة من رواد العمل الإذاعي وتاريخ إذاعات المملكة العريق.
0