المقالات

من لاءات الخرطوم إلى لاءات جدة

قال صاحبي: تحدثت كثيرًا عن القمة العربية في جدة، ووضعتَ لها عناوين رئيسة كان أبرزها في رأيي، من لاءات الخرطوم إلى لاءات جدة، ما الذي تغيَّر، وما مضامين هذه اللاءات الثلاث، وهل سيتم العمل بها، ماذا عن بقية القضايا العربية الأخرى؟
​في الوقت الذي تنعقد فيه القمة العربية الثانية والثلاثون في السعودية، تتزامن معها قمم عالمية أخرى، ففي آسيا الوسطى هناك قمة صينية مع دول المنطقة، وفي هيروشيما قمة الدول الصناعية السبع، وجميع هذه القمم تأمل من اجتماعها تحقيق المزيد من التعاون السياسي والاقتصادي. حراك دولي لا يهدأ، نحن بحاجة لمثل هذه الاجتماعات التي تنتج قرارات تنفيذه بعد إطفاء الأضواء.
أزعم أن لاءات قمة جدة الثلاث تختلف جذريًا عن مثيلاتها التي صدرت في الخرطوم 1967، فالظروف التي أنتجت لاءات الخرطوم اختلفت وربما اختفى بعضها. لاءات جدة تُمثل مظلة عمل عربي مشترك، يندرج تحتها الكثير من برامج العمل، والمشاريع العربية المشتركة، فالبيئة العربية الحديثة مواتية لتأسيس نظام عربي مختلف عن السابق، خصوصًا بعد مرورنا بعشرية سوداء أهلكت الحرث والنسل.
تتلخص لاءات جدة الثلاث في: لا: للخلافات المتشنجة. لا: للصراعات. لا: للتدخل من القوى الإقليمية والدولية في الشأن العربي. هذا يعني أن هذه القمة معنية بإنتاج تعريف جديد للأمن القومي العربي بمفهومه الشامل، الأمن المائي، خصوصًا وأن هناك أربع دول عربية مهددة بالموت عطشًا، الأمن الغذائي، بعدما عانى عالمنا من انقطاع أو تعثر سلاسل الغذاء، كإحدى إفرازات الحرب الغربية الروسية، الأمن السيبراني، الأمن من المخدرات، الأمن من الأفكار المتطرفة، وغيرها من مغذيات التوتر والاضطراب في المنطقة.
اللاءات الثلاث تحتاج إعادة التفكير جديًا في هيكلة الجامعة العربية، فبعد ثمانية عقود على تأسيس الجامعة لإعادة النظر في مبادئها، وطرق التصويت فيها، فالإجماع مثلًا أصبح من المتعسر تحقيقه، ولذا لا بد من العمل بما تعمل به المنظمات الدولية المماثلة. اللاءات الثلاث تتطلب أن تكون هناك محكمة عربية لها القدرة على الفصل في النزاعات العربية العربية، وإصدار أحكامها وتنفيذها، وأن تكون الجامعة العربية أكثر رشاقة وقدرة على التحرك في كل مكان من العالم، مدافعة عن أعضائها، وباحثة عن الفرص والشركات السياسية والاقتصادية باسم الجميع.
تأخرت في كتابة هذا المقال حتى يتزامن مع كلمات القادة العرب. أغلب الكلمات ركزت على أهمية الجامعة العربية، والحاجة لتطويرها لتواكب التغيرات الدولية. كان لكلمة الحضن العربي النصيب الأكبر في التكرار، وهذا يؤكد على ضرورة تفعيل وتقوية الجامعة العربية. أهمية الركون إلى الحلول العربية النابعة من رحم معاناة المنطقة، فقد جربنا لسنوات طويلة الحلول المستوردة التي تضر ولا تنفع إلا من قام بتصميمها لتتوافق مع مصالحة. عندما صنعنا الحل بأنفسنا انحلت مشاكلنا، وتنفست منطقتنا عربًا وعجمًا رياح السلام.
كما شهدت كلمات القادة الترحيب بعودة سوريا إلى الفناء العربي، والمصالحة العربية مع الإقليم، ومناشدة الفرقاء في السودان الركون لسلاح الحوار لا لحوار السلاح. وأنا أختم هذه المقال، أعلن سمو ولي العهد ختام الجلسة بموافقة جماعية على إعلان جدة، دون الحاجة لجلسة مغلقة، وهذا في نظري أكبر مؤشر على نجاح أعمال القمة والتوافق على مخرجاتها.
وأخيرًا دعوة الرئيس الأوكراني زيلنسكي، لحضور القمة، واستقبال المجتمعين كلمة من الرئيس الروسي بوتين، مؤشر مهم على قوة ومكانة العرب في النظام العالمي الجديد، فأول مرة يتم فيها التوجه للعرب لمخاطبتهم، وطلب اصطفافهم ومبادرتهم في إطفاء الصراع، خطوة مهمة نحو التكامل العربي على طريق النظام العالمي الجديد المرتقب.

قلت لصاحبي:
قمة جدة أُسست لبناء السيادة الاستراتيجية العربية؛ إذا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى