النكتة بمفهومها العام هي الخيط الرفيع الذي يجتمع حوله أفراد المجتمع بكل أطيافه كي يمنحوا أنفسهم فرصة التعبير عن معاناتهم بطريقة ساخرة فيها من الإسقاط الشيء الكثير .
وحين نتتبع مراحل تطور النكتة في ثوبها العام نجد النكتة كائنا حيا متغيرا ومتجددا على الدوام، ولا يمكن للنكتة أن تعيش في عزلة بعيدة عن الظروف الاجتماعية لتأتي في سياق ظروف وأعراف المرحلة كثقافة منطقة معينة، فإن النكتة المتمردة على العرف تأتي بشكل مضاد له متهكمة عليه وساخرة منه.
والنكتة ليست مجرد فكاهة لتبديد الوقت فحسب، بل هي وسيلة ساخرة لعدم رضاها عن السائد والخروج من ضغوط المفروض.. ففي زمن البساطة والطيبين كانت شخصية «جحا» هي طريق النكتة القديمة السائدة، وبعد فترة احتلت النكتة السياسية دور الريادة، لتحتل النكتة الاقتصادية المشهد العربي بمعاناة الرغيف والبطالة وذلك بعد حرب الخليج تحديدا.. إلى جانب نكات وقتية أو موسمية تظهر في كل الأزمان والظروف، وهي تلك النكات المتعلقة بحدث أو ظرف اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي مؤقت.. أو النكات المصاحبة لأي بطولة أو مناسبة رياضية وصولا إلى النكات المرتبطة بالهبوط الحاد في سوق الأسهم، ومن هنا نمسك بخيط النكتة السعودية التي بدأت توهجها منذ انهيار سوق الأسهم عام 2006 وقد آضحت النكتة السعودية تتصدر المشهد كأكثر النكات رواجا وانتشارا، بل أضحت وجبات سريعة لذيذة، زاد من اتساع رقعة انتشارها شبكات التواصل الاجتماعي التي لا يمكن أن يمر حدث أو خبر أو تصريح إلا وتجد من يتفنن في صياغتها بأسلوب التقنية الاحترافية والتي أظهرت بعدا فنيا لشبابنا القادر على صنع الضحكة من رحم الأحداث والمعاناة .
إضافة للبرامج اليوتيوبية الساخرة والتي تجلت في أبلغ صورها ورسمت طريقا جديدا لحراك نكتي ثقافي مركز لترتقي تلك البرامج اليوتيوبية الساخرة نحو مساحات أرحب من خلال القنوات الفضائية التي استقطبت نجوم النكتة السعودية ومهما كانت النكتة السعودية بجوانبها الإنسانية سلبا أو إيجابا إلا أنها مؤشر ثقافي لحاجة المجتمع للتنفيس حتى وإن كان واقعهم تعيسا بئيساً .
ومضة :
النكتة هي ثقافة إنسانية شائعة لإثارة الضحك، إلا أن الضحك قد لا يكون بالضرورة مرتبطاً بالفرح والسرور .. فهناك الكثير من الضحك يثيره الحزن الشديد كما يعبر عن ذلك بالمثل الشهير “شر البلية ما يضحك “ .