ذكر ابن منظور في قاموسه “لسان العرب”؛ بأن الصُّعلوك: هو الفقير الذي لا مال له ولا اعتماد. وقد تحدثت معظم المعاجم العربية في تعريفها للصعلوك حول نفس المعنى، فهو الفقير الذي لا يملك المال الذي يُعينه على العيش الكريم وتحمل أعباء ومصاعب الحياة. وقد أطلق هذا المفهوم على جماعة من العرب ظهرت في عصر ما قبل الإسلام، وقد عاشوا في الجزيرة العربية، وعُرفوا بعدم انتمائهم لسلطة قبائلهم وواجباتها، إذ انشقوا عنها وتمردوا عليها أو طُردوا منها كونهم لم يعترفوا بالمعاهدات والاتفاقيات بين قبائلهم والقبائل الأخرى مما أدى إلى طردهم من قبل قبائلهم، وبالتالي عاشوا حياة ثورية تحارب الاضطهاد والفقر؛ فامتهنوا الغزو والسلب والنهب بقصد الأخذ من الأغنياء وإعطاء المنبوذين والفقراء، وقد امتاز الصعاليك بقوة بأسهم وصبرهم وسرعتهم في العدو وكان معظم أولئك الصعاليك من الشعراء المميزين، ومن أبرزهم الشنفري وتأبط شرًا وعروة بن الورد الذي لقب بأمير الصعاليك؛ حيث كان صعلوكًا شريفًا وشجاعًا ومقدامًا، وقد استطاع أن يجعل من الصعلكة ما رفعها إلى درجة المروءة والسيادة، وجعلها رمزًا للتضامن ودعوة للتكافل الاجتماعي. وقد صوَّر لنا شعراء الصعاليك جانبًا من طبيعة البيئة القاسية التي كانوا يعيشون فيها، فتارة يصفون شدة البرد، وأخرى يشتكون معاناتهم مع شدة الحر والهجير، وامتدت ظاهرة الصعلكة من العصر الجاهلي إلى العصور اللاحقة، وإن كانت بدرجة أقل بسبب التغيير الذي طرأ على حياة وسلوك الناس بعد الإسلام.
لكن هناك ظاهرة حديثة انتشرت في عصرنا الحاضر وهي أكثر خطورة وأشد وطئًا على المجتمع من خطر صعاليك العصور السابقة؛ تلك هي ظاهرة “الصعاليك الجدد”، أو إن صح التعبير “صعاليك المال العام”؛ وهم أشخاص يعملون من أجل بسط نفوذهم وفرض سيطرتهم على كافة مفاصل العمل في المؤسسات التي يعملون بها، ثم بعد ذلك يستحلون حرمة المال العام ويمارسون شتى أصناف الفساد الإداري والمالي، ولا يتورعون عن أكل حقوق البسطاء من العاملين في تلك المؤسسات استجابةً لأطماع أصابتهم وإشباعًا لجشع تملكهم، وتحقيقًا لمصالحهم الشخصية أولًا وقبل كل شيء. الصعاليك الجدد ليسوا فقراء يسرقون المال العام لعوز أصابهم أو لضيق ذات اليد، وليسوا بأصحاب تلك القلوب الرقيقة والمشاعر المرهفة التي تقودهم إلى سرقة المال العام من أجل مساعدة المحتاجين والتصدق على منَّ به فاقة، وكذلك هم ليسوا بالفئة المهمشة من قبل أي طرف كان في محيطهم الوظيفي أو الاجتماعي بل على العكس تمامًا، فهم في مناصب مرموقة ربما يحسدهم عليها الكثير من الناس؛ ففي الغالب هم ممن يمسكون بدفة القيادة ومركز اتخاذ القرار في مؤسساتهم، أو على أقل تقدير هم من المقربين من الإدارة وممن يحظون برعاية خاصة من قبلها. وربما أن هناك فوارق أخرى لصعاليك العصر الجاهلي، وما تلاه من عصور تميزهم عن الصعاليك الجدد، كون حركة صعاليك العصور السابقة لم تشهد مشاركة نسائية، حيث لا وجود للمرأة يضعها في موقع قيادي ومؤثر، وحتى رغم كثرة عدد شعراء الصعاليك لم نسمع بشاعرة صعلوكة. ولذا أزعم أن أحد أهم الفوارق بين صعاليك زمان وصعاليك اليوم؛ هو إبداع وجرأة عدد من السيدات هذه الأيام في اقتحام عالم الصعلكة الإدارية في العصر الحالي، وإن كان عددهن قليلًا مقارنة بعدد أقرانهن من الصعاليك إلا أن الخوف من أن يأتي مستقبلًا من يُطالب بإنشاء وحدات ومراكز للتوازن بين الصعاليك!!
رسالة اطمئنان:
قبل أن أختم حروف مقالي هذا؛ وصلتني عبر هاتفي النقال رسالة تبعث على الاطمئنان بأن هذا الوطن بأيدٍ أمينة، وبإذن الله تعالى لن يكون بيننا مكان للفساد والفاسدين، وأن المسألة ما هي إلا مسألة وقت ليس إلا لاجتثاث أوكار وبؤر الفساد والصعلكة. الرسالة كانت من هيئة الرقابة ومكافحة الفساد؛ هذه الهيئة المباركة التي تحظى بدعم ومتابعة من لدن خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله – الرسالة تتضمن تقريرًا عن نشاط نزاهة خلال شهر شوال وقيامهم بأكثر من (2583) جولة رقابية، والتحقيق مع (211) مشتبهًا من عدد من المؤسسات لتورطهم بتهم الرشوة واستغلال النفوذ الوظيفي وغسيل الأموال والتزوير. مما يعني أن جماعة الإدارة بالصعلكة تحتضر، وهي على وشك الزوال.