المقالات

قمة جدة: مرحلة جديدة في مسيرة القمم العربية

تُعتبر قمة جدة العربية الـ”اثنين وثلاثين” التي انعقدت مؤخرًا في جدة برئاسة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، علامة فارقة في مسيرة القمم العربية، ويمكن القول دون أدنى مبالغة أنها دشنت لمرحلة جديدة في مسيرة القمم العربية؛ نظرًا لواقعيتها وأسلوب عملها العملي الجديد، وابتعادها عن الروتين الذي كان يحد من فاعليتها، عندما أعطيت لرؤساء الوفود خمس دقائق فقط لإلقاء كلماتهم، وعندما اختصرت العديد من الإجراءات التي كانت تستهلك من الوقت والجهد الكثير.

يمكن بالكثير من الموضوعية وصف هذه القمة بأنها تاريخية، وأنها قمة ناجحة بكل المقاييس، وأنها قمة مختلفة عن كل ما سبقها من القمم العربية، ولنا أن نسأل ما هو الجديد في قمة جدة العربية؟

يمكن الإجابة على هذا السؤال بالقول، وقبل الخوض في التفاصيل، إن هناك العديد من الأدلة التي تثبت أن المملكة قائدة العمل العربي المشترك من خلال ثقلها ومكانتها وإمكانياتها، وما حققته من نجاحات تنموية جبارة وعلاقات دولية متنوعة، وبعد أن تجاوز ناتجها الإجمالي تريليون دولار بما يُمثل 30 بالمائة من الناتج الإجمالي العربي، وهناك من يرى من المحللين السياسيين الغربيين أن شعبية المملكة عبر العالم في تزايد مستمر، وأن السياسة الداخلية والخارجية لسمو ولي العهد تروق للناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ويمكن القول بشكل عام – وفق آراء الخبراء الغربيين- بأنه يبدو أن بينما تنتهج المملكة العربية السعودية سياسة خارجية مستقلة عن واشنطن، يرى الناس في المنطقة أن البلاد محرك للازدهار والاستقرار الإقليمي، ومن الأهمية بمكان نقل ما ذكرته صحيفة “لوموند” الفرنسية عن سموه بأن ولي العهد السعودي “يقود مشروع إعادة التشكيل الإقليمي للمنطقة، حيث أثبت أنه ماهر في قلب كل شيء رأسًا على عقب”.

وما يبذله سموه من جهود وما يحققه من إنجازات لا يقتصر على بلاده فقط، وإنما على سائر الأشقاء العرب، ومنطقة الشرق الأوسط ككل، وهو ما يتمثل في طرحه مبادرة “الشرق الأوسط الأخضر” كما يأتي وعده بأن “الشرق الأوسط سيكون أوروبا الجديدة”، دليل آخر على فكره الإستراتيجي الشمولي.

إن قمة جدة أكدت على جدارة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان في إدارة القمة بفاعلية واقتدار وهمة لفتت نظر الجميع، كما أكدت على أهمية الوحدة العربية وضرورة تلاقي الدول العربية في أعقاب الأزمات الإقليمية المتزايدة، واعتبر حضور الرئيس السوري بشار الأسد إلى المملكة ومشاركته في القمة، ترجمة عملية لهذا التوجه.

ونجح سموه في تبني القادة العرب، فكرة القيام بتشكيل الشرق الأوسط بدلًا من السماح للأمريكيين أو الصينيين أو الروس بالقيام بذلك نيابة عنهم. كما نجح في تبنيهم لأهمية وضرورة استقلال القرار العربي، وتغليب المصلحة القومية على ما عداها من المصالح.

كما أشارت قمة جدة إلى الرغبة في تصحيح أخطاء الماضي، وتعزيز جو من التعاون والتضامن بين الدول العربية.

بيد أن أهم ما جاء في القمة هو تأكيد سموه على مركزية القضية الفلسطينية، حيث وصلت رسالة سموه إلى الغرب وإسرائيل بأنه لا يمكن تحقيق التطبيع بين السعودية وإسرائيل ما لم يتم تحقيق حل الدولتين من خلال إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الخامس من يونيو/حزيران 67 بعاصمتها القدس الشرقية وفق المبادرة العربية للسلام.

وجاء استقبال القمة للرئيس الأوكراني زيلينسكي ومنحه الفرصة لمخاطبة القادة والزعماء العرب – كما أوضح وزير الخارجية السعودي- أن من باب “سماع وجهات نظر جميع الأطراف” في الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، وإثبات على أن الدول العربية- تحديدًا السعودية- تؤمن بالحوار، وأنها قوة محبة للسلام، وفي استطاعتها القيام بدور الوساطة بين القوى المتنازعة، كما هو الحال في الحرب الروسية – الأوكرانية، والنزاع السوداني – السوداني. فالسعودية أثبتت للعالم كله أنها وسيط ناجح لحل المنازعات، والعمل على تحقيق السلام في أي منطقة من مناطق العالم.

يمكن اعتبار نجاح قمة جدة – الذي تحقق بعون الله بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- بأنه إضافة جديدة وهامة لإنجازات سمو ولي العهد على الصعيد العربي، وخطوة هامة على طريق تحقيق التضامن العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى